لعل المشاهد لما يحدث يوميا من أحداث غريبة تشيب لها رؤوس الشباب والولدان يحمد الله آلاف المرات على نعمة الأمن وعلى النجاحات المتواصلة لقوات الشرطة والامن وللتنسيق المشترك بينهما كمنظومة من أجل استتباب الأمن في العاصمة والولايات ، ولربما يصبح الحديث عن الصرف الكبير على الأجهزة الأمنية في الميزانيات العامة للدولة مبرر جدا ويحتاج أيضا للمزيد من الدعم في ظل النجاحات المختلفة التي ظلت تنتقل إليها هذه الأجهزة من نجاح لنجاح، وكان آخرها ما سنرويه من خلال هذه المعلومات الصادمة لهذه العملية الغريبة والنادرة ، والتي قد لا تكون مبررة أو مستساغة على الإطلاق، فعدة بلاغات اختطاف لأطفال حديثي الولادة طفت على السطح خلال الفترة الماضية دون معرفة الدوافع وراء مثل هذه العمليات والتي عزا البعض أسبابها الى سعي بعض السيدات الى تبني اطفال والادعاء بإنجابهم لإقناع الازواج والمحافظة على الزيجات إلا ان بعض حوادث الاختطاف لأطفال فى سن متقدمة نفت تلك الفرضية، لتضع القضية امام طاولة التشريح، فأرجو ان تقرأوا بصمت ولا تتفاجأوا واعذروني لاضطراري لسرد تفاصيل صادمة فلكم العتبى أولاً وأخيرا سادتي القراء…
بلاغ أولى:
بدأت تفاصيل القضية حينما تقدمت اسرة ببلاغ لدى وحدة حماية الأسرة والطفل أفادت في دعواها بتعرض أطفالها الاثنين البالغين من العمر تواليا (عامين – 4 اشهر) لعملية خطف وان الأسرة حينما استيقظت صباحاً اكتشفت اختفاء الطفلين .
فشرعت الشرطة في التحقيق والتحري حيث افادت الاسرة بان إحدى قريباتهم حضرت اليهم في زيارة وأمضت لديهم ليلة كاملة وانها اختفت ايضاً ولم يعثر لها على أثر، وعندها بدأت خيوط القضية تتكشف لدى الشرطة . وحسب المعلومات المتوفرة فإن المتهمة صبية (قاصر) في السادسة عشرة من العمر كانت قد حضرت الى معارفها الذين يقطنون بأحد أحياء ام درمان وبعد التحايا قررت المبيت معهم بالمنزل لليلة واحدة. وفي الصباح الباكر وقبل ان تستيقظ الاسرة قامت بخطف الطفلين واختفت.
خطة مدروسة:
ويبدو أن المتهمة لم تكن لوحدها ولم تخطط لعملية الخطف لوحدها وكان يقف خلفها شخص يحركها ويحرضها للقيام بتلك العملية ، وتتلقى الأوامر منه ، كان ذلك الشخص يقيم بمنزل بأحد أحياء عطبرة بولاية نهر النيل .
وحملت المتهمة الطفلين بناء على تعليمات زعيمها المتهم(العقل المدبر) وذهبت بهما الى موقف المواصلات وكان الرجل يتواصل معها عبر الهاتف، فوصف لها الميناء البري وعندما وصلت طلب منها ألا تحجز في البص السياحي بحجة انه يتعرض للتفتيش وربما ستنكشف خطتهم . ووجهها المتهم الأساسي بأن تستغل عربة شريحة للوصول الى عطبرة وطلب منها ان تصل الى الشريحة وان تعطيه سائقها عبر الهاتف وبالفعل وصلت لأول عربة شريحة كانت فى طريقها الى عطبرة وأعطته سائقها وتحدث المتهم معه وأبلغه بان عليه ان يحمل زوجته وأطفاله ويوصلهم الى الميناء البري عطبرة وانه سيقابله هنالك وسيدفع له قيمة تذاكر الحجز التي لم تكن المتهمة تملكها وبالفعل امتطت العربة الشريحة وتوجهت الى عطبرة .
ساعة الصفر:
حينما وصلت العربة الشريحة الى عطبرة كان المتهم يقف في الميناء البري منتظراً وصول غنيمته وبالفعل قام بدفع تكاليف رحلة المتهمة والأطفال وسلمها لسائق العربة وغادر بالأطفال والمتهمة الى حيث يقيم بمنزل بحي معروف في عطبرة . وبداخل المنزل مكثت المتهمة والأطفال ،وقبل ان تأخذ راحتها تفاجأت بوصول الشرطة والسلطات الأمنية وبتطويقها للمنزل وألقت القبض على المتهمة والمتهم وتم استرداد الطفلين وردهما الى حضن أمهما .
وبحسب المعلومات فإن الشبهة دارت حول الضيفة المختفية وتم تقصي أثرها بمواقف المواصلات المعينة وعن طريق التقنيات تأكد للسلطات ان المتهمة توجهت إلى عطبرة لتسارع خلفها السلطات وتم تحديد موقعها وتحديد ساعة الصفر ومداهمة المنزل وضبط الجناة .
مفقود آخر:
وكشفت المتهمة عقب إحضارها بأنها على علاقة عاطفية بالمتهم وانه مارس معها الجنس الى ان حملت منه وأنجبت طفلاً، وأوضحت عند التحري معها انها تقيم معه بمنزله في عطبرة، وعند سؤالها عن طفلها وانه يجب عليها إحضاره اشارت الى أنها سلمته لوالدتها لتربيه . وقامت السلطات بإحضار والدة المتهمة وبسؤالها عن طفل ابنتها انكرت الام تماماً تسلمها لاي طفل، بل وذهبت الأم الى ان ابنتها كاذبة ولم تسلمها اي طفل ولا تدري اي شيء عما تقوله ابنتها المتهمة، لتجد السلطات نفسها أمام بلاغ آخر وهو بلاغ اختفاء طفل المتهمة نفسها. وأضافت المتهمة في أقوالها بانها حينما حضرت الى الخرطوم اتصل بها المتهم وطالبها بان تحضر اي طفل أياً كان عمره أو أياً كانت سحنته او قبيلته، فقط عليها ان تحضر طفلاً من الخرطوم وتأتي به الى عطبرة بأسرع فرصة ما قادها لزيارة أقاربها وخطف أطفالهم الاثنين .
الصدمة:
وتظهر المتهمة للسلطات معلومات صادمة جداً حينما أفادت ان المتهم سبق وان طلب منها ان تحضر اليه شقيقتها الصغرى وهي طفلة صغيرة ولكنها رفضت احضار شقيقتها لأنها لا تدري ما كان المتهم ينوي فعله بشقيقتها.
وتضيف المتهمة بان زوجها عاطل ولا يعمل رغم انه ادعى بانه يعمل أعمالاً حرة ويمارس بعض المهن الهامشية ولكن المتهمة أدلت بمعلومات مثيرة للسلطات حينما أفادت بانها شاهدت المتهم في أوقات مختلفة وهو يقوم بإحضار أطفال الى المنزل.
وبحسب إفاداتها بانه يحضر اطفالا ويحتفظ بهم في المنزل لفترة بسيطة وبعدها يذهب بهم الى جهة لا تعلمها هي ولكنه حينما يعود اليها بالمنزل يكون قد حمل معه مبالغ مالية طائلة ربما هي عائد بيع أولئك الأطفال .
بلاغات جنائية:
كانت المعلومات التي أدلت بها الطفلة المتهمة مثيرة للاهتمام وهي تؤكد ان عشيقها ينتمي لعصابة اتجار بالبشر من فئة الأطفال تحديداً دون معرفة الجهة التي يباع لها أولئك الأطفال او الجهة المتورطة في تلك العمليات .
وتم تدوين بلاغ في مواجهة المتهمة والمتهم تحت المواد 21 ق ج الاشتراك الجنائي والمادة 45/أ من قانون الاسرة والطفل لسنة 2010م المتعلقة بالاختطاف ، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تم تدوين بلاغ في مواجهة المتهم تحت المادة 45/ب من قانون الأسرة والطفل واتهامه باغتصاب قاصر وهي المتهمة وإنجابه منها .
إضافة الى ذلك فان المتهمين الاثنين يواجهان تهماً تحت طائلة الاتجار بالبشر وسيتم إحالتهما لأمن الدولة للتحقيق معهما ولمزيد من التحريات لمعرفة لمصلحة من يعمل المتهم، كما انه سيتم اتخاذ إجراءات للبحث عن الطفل الذي أنجبته المتهمة .
جرائم مماثلة:
تلك الجريمة تعيد الى الأذهان عدة حوادث قيدتها مضابط الشرطة بالخرطوم في أوقات سابقة. ففي العام 2013م شهدت مضابط الشرطة أشهر عملية اختطاف لم تفسر ولم تفكك طلاسمها حتى الآن وهي حادثة اختفاء الطفلة (بانة) التي كانت ترافق والدتها في رحلة نيلية بالخرطوم واختفت الطفلة من على ظهر عبّارة وعندما أزفت ساعة نهاية الرحلة اختفت فجأة عن الأنظار مع تكبيرة صلاة المغرب ولم يعثر لها وقتها على أثر لا في قاع النيل ولا حتى مع التيار المائي وظلت قضيتها عالقة حتى الآن .
الطفل عبدالوهاب:
بدت حادثة الطفل عبدالوهاب مجدي نجل الصحفي المعروف (مجدي عبداللطيف) والتي حدثت في العام 2010م مشابهة لحادثة اختطاف الطفلين الأخيرين ووقتها كانت الخاطفة عاملة بمنزلهم بحي بحري وبعد اختطاف الطفل توجهت به الى مدينة كوستي وأمضت فيها أكثر من (48) ساعة الى ان ضبطتهم الشرطة داخل المنزل ليلاً وتم إحضار نجل الصحفى الى أبويه، وقدمت المتهمة للمحاكمة والتي صدر في مواجهتها حكم بالسجن عشرين عاماً .
حادثة بشائر:
في يوليو الماضي استردت الشرطة طفلاً تم اختطافه من مستشفى بشائر وعثر على الطفل بحوزة ثلاث متهمات ألقت الشرطة القبض عليهن وكن قد اختطفن الطفل من داخل المستشفى وكانت الشرطة قد تحركت عقب بلاغ تقدم به والد الطفل وهو تاجر. وتعد حوادث اختطاف الأطفال حديثي الولادة من داخل المستشفيات من الحوادث المتكررة والتي شهدتها عدة مستشفيات مختلفة بالعاصمة وخارج العاصمة، ولعل حادثة اختطاف طفل من كسلا وآخر من مستشفى بالأبيض كانت آخر تلك الحوادث .
المنظمة الفرنسية:
شهد العام 2007 م أخطر فضيحة اتجار بالبشر في العالم ارتكبتها منظمة فرنسية تدعى منظمة (لارش دى زو) في حق أطفال دارفور، وكانت تلك سابقة فريدة من نوعها حيث تم اكتشاف محاولة جمعية فرنسية غير حكومية تهريب أكثر من مائة طفل من إقليم دارفور بحجة ضمهم بالتبني لعائلات فرنسية مقابل أموال طائلة، وأوقفت السلطات التشادية في اكتوبر من العام 2007م في أحد مطارات شرق تشاد (9) متهمين فرنسيين أثناء محاولتهم تهريب (103) أطفال تتراوح أعمارهم بين عام و9 أعوام اختطفوا من مخيمات النازحين واللاجئين في دارفور وشرق تشاد.
وينتمي الفرنسيون التسعة إلى منظمة “لارش دي زو” ومعناها بالعربية (قوس الغابة)، وهي منظمة فرنسية غير حكومية أعلنت في وقت سابق اعتزامها جلب أطفال أيتام من السودان لتبنيهم من قبل عائلات فرنسية، غير أنها لم توضح حينها طريقة إحضارهم إلى فرنسا، وبالرغم من زعم المنظمة الفرنسية أنها كانت تعتزم نقل الأطفال إلى فرنسا للتداوي، فإن السلطات التشادية لاحظت أن كل الأطفال بصحة جيدة، وأنهم كانوا يحملون لفائف بيضاء حول أطرافهم وعلى رؤوسهم للإيهام بأنهم يحتاجون إلى رعاية طبية، وتم إحباط عملية التهريب عندما اكتشفت دورية تشادية أن هناك أطفالا يجري تجميعهم قرب قاعدة جوية بمدينة “أبيتشي”، وأن المسئولين الفرنسيين المرافقين للأطفال لا يحملون وثائق رسمية تخول لهم إخراج الأطفال من تشاد، وأن الأوراق التي يملكونها تخول لهم فقط الرعاية الصحية للأطفال قرب مركز المنظمة في المنطقة، ولما حطت طائرة من نوع “بوينج 757” بمطار المدينة الساعة السادسة صباحا في نفس الوقت، اكتشفت السلطات المحلية أن الطائرة غير مسجلة في قائمة الرحلات المتجهة إلى فرنسا ذلك اليوم، وهو ما أكد شكوكهم بأن الأمر يتعلق بخطف للأطفال.
الموقف القانوني:
يقول الخبير القانوني المتخصص في شئون الطفل مجاهد عثمان عمر المحامي ظاهرة اختطاف الاطفال تعد ظاهرة حديثة ودخيلة على المجتمع السودانى ومقلقة وخطيرة جداً لان أولئك الأطفال الذين يتم اختطافهم لا يعرف مصيرهم وما اذا كانوا سيتعرضون لتجارة أعضاء او الاستغلال من قبل منظمات إجرامية في جرائم مختلفة، ويشيير الى ان قانون الطفل جرم اختطاف الأطفال في المادة 45/أ من قانون الطفل لسنة 2010م ونص على ان تصل عقوبة هذا الجرم للإعدام او السجن المؤبد ، وفي حالة تورط قاصر في اختطاف طفل فانه يعتبر اشتراكاً جنائياً ويكون الشخص الذي حرضه واشار اليه بارتكاب الجريمة مسئولا مسئولية كاملة أمام القانون وكأنه ارتكب الفعل لوحده، أما بخصوص القاصر المتهم بالاختطاف فانه يكون بذلك جانحاً ويسائل بموجب قانون الطفل ولديه عقوبات تأديبية تتمثل في إيداعه دار الإصلاح للتربية والتقويم .
الانتباهة