كاتب التقرير :دكتور عبد القادر ورسمه الخرطوم فى 11-7-2012-سونا:
يلعب التحكيم التجاري دورا كبيرا في تسوية المنازعات المصرفية المعقدة و ذلك عبر مراكز التحكيم المؤسسي. و من دون شك، فان مركز التحكيم التابع لغرفة التجارة الدولية يعتبر أهم مركز للتحكيم المؤسسي علي نطاق العالم و خاصة في المنازعات المصرفية.
و تعطي غرفة التجارة الدولية أهمية خاصة و عناية كبيرة لهذا المركز إيمانا منها بأهمية تسوية المنازعات التجارية الدولية حتى يعم الرخاء و التقدم كل أرجاء المعمورة. و هكذا، لتظل التجارة تلعب دورها الهام في تطوير العلاقات بين كل الدول و المجتمعات و الشعوب بمختلف أفكارهم و توجهاتهم لأن الجميع يحتاج لها. كل التجارة العالمية تقريبا تنساب و تتم عن طريق القنوات المصرفية المتعددة حيث يتم تمويل التجارة العالمية و تسهيلها عبر تقديم و فتح و اعتماد و تأييد الاعتمادات المستندية و الضمانات المصرفية و التسويات بمختلف أنواعها. و في كل يوم تتحرك مليارات الدولارات و ملايين الأطنان من البضائع و يزدحم الأفق بكل أنواع الخدمات، و كل هذا يتم عبر تداول و قبول الاعتمادات المستندية (المستندات فقط) بين العملاء و بنوكهم من جهة و فيما بين البنوك من الجهة الأخرى. و هكذا تنمو التجارة العالمية، و هكذا تتحقق الأرباح للعملاء و البنوك، و هكذا و عبر هذا النشاط التجاري المصرفي يجد المستهلك كل ما يبحث عنه من متطلبات يومية أساسية. و من الجدير بالذكر أن غرفة التجارة الدولية بباريس هي الجهة التي قامت و ظلت تقوم، و بكل كفاءة، بإصدار التعليمات و الأنظمة و اللوائح التي تنظم كل ما يتعلق بالاعتمادات المستندية و الضمانات المصرفية و السداد و التسويات و ذلك عبر لجانها الفنية المختلفة التي تعمل جاهدة علي مدار العام لتحقيق هذا المرام المأمول. و في الغرفة يتم دراسة و تقييم اللوائح و الأنظمة الخاصة بهذه النشاطات المصرفية الهامة و فق المستجدات و الممارسات التجارية التي تتم علي أرض الواقع، ليتم معرفة الصعوبات و المشاكل و لتقديم البدائل الفنية المقبولة.
و كل هذا حتى يستمر دولاب التجارة الدولية في الاستمرار دون توقف و يعم الرخاء كل الربوع.
و لتكتمل الصورة، قامت غرفة التجارة الدولية بإصدار نظام خاص للتحكيم في المنازعات التي تطرأ بين الأطراف عند استخدامها للوائح المنظمة للاعتمادات المستندية و الضمانات المصرفية و كذلك أنظمة التسويات الموحدة بين البنوك وأنظمة التحصيل الموحدة. و نظام التحكيم المعني خاص بالتحكيم في المنازعات الخاصة بهذه المعاملات المستندية فقط، و لا يتعداها أو ينظر في غيرها و إلا تجاوز الاختصاص و سقط لعدم الاختصاص.
و نظام التحكيم هذا يسمي اختصارا بنظام "دوكدكس" الصادر من غرفة التجارة الدولية بباريس. كما نعلم فان من مميزات التحكيم العامة أنه يوفر هيئة تحكيم من كفاءات متخصصة للنظر في منازعات فنية و مهنية و ذلك لتوفير التخصصية الفنية مع سرعة الفصل في النزاع. و معظم المنازعات التي تنشأ من هذه الخدمات المصرفية المستندية، تعتبر من المنازعات الفنية البحتة التي تحتاج لهيئات فنية للنظر في أمر تسويتها حتى تستمر المعاملات المصرفية و التجارية بين الأطراف. وفق نظام "دوكدكس" للتحكيم، يجوز لأي طرف أن يتقدم بطلبه (الشكوى) إلي غرفة التجارة الدولية متضمنا تفاصيل الشكوى و ما يطلبه من الطرف الآخر من حقوق أو خلافه. تقوم غرفة التجارة الدولية بإحالة هذه الشكوى إلي هيئة خبراء (ثلاثة خبراء) يتم اختيارهم عبر لجنة الممارسات المصرفية التابعة لغرفة التجارة الدولية. و كقاعدة عامة يشترط في هؤلاء الخبراء التزام السرية و الاستقلالية التامة و تجنب تضارب المصالح. و لا يفوتنا أن نذكر أن لجنة الممارسات المصرفية التابعة لغرفة التجارة الدولية تضم خبراء مصرفيين و قانونيين و تجار من المستوردين و المصدرين. ويمكن لمن يرغب المشاركة في أعمال هذه اللجنة الحصول علي ترشيحه بواسطة "لجنته" اللجنة الوطنية التابعة لبلده، و الباب مفتوح للانضمام للجنة الغرفة أو لقائمة الخبراء لكل من يأنس في نفسه الكفاءة و المعرفة الفنية التامة بالاعتمادات المستندية و أساليب التجارة الدولية و منعطفاتها. و انه حقا لعمل مهني رفيع المستوي و مفيد للشخص و مهنته لكنه يتطلب المثابرة و الاجتهاد المتواصل. تقوم هيئة التحكيم وفق نظام "دوكدكس" و المكونة من لجنة الخبراء الثلاثة باستلام الشكوى و إحالتها للرد عليها ويتم تداول الطلبات و الردود و الإضافات بين الأطراف (قد يتم مثولهم أمام اللجنة) عبر إجراءات هيئة تحكيم ال"دوكدكس".
و كل هذه الإجراءات تتم وفق تواريخ محددة يجب الالتزام التام بها لأن فلسفة التحكيم تقوم علي سرعة الفصل. و بعد الاطلاع علي الوقائع وأنظمة غرفة التجارة المنظمة للاعتمادات المستندية و غيرها من الممارسات المستندية تقوم لجنة الخبراء، و في خلال فترة لا تتعدي 30 يوما، بتقديم مسودة قرارها التحكيمي إلي المركز. و بموجب نظام "دوكدكس" يجوز للمركز الاستعانة برأي الخبير الفني التابع للجنة الممارسات المصرفية و التشاور معه قبل إصدار القرار النهائي (و هذا الوضع مماثل لما تقوم به المحاكم الاستئنافية في القضاء)....
و كل هذا لضمان تحقيق أعلي درجة من العدالة المهنية للوصول إلي الرأي الفني الأصوب وفق الأنظمة الصادرة من غرفة التجارة الدولية. وبعد صدور القرار النهائي يخطر الأطراف و يتم وضع النسخة الأصلية من القرار النهائي الصادر من لجنة الخبراء (هيئة التحكيم) في مركز التحكيم بالغرفة لمدة عشر سنوات، و يمكن الاستفادة من هذا الحكم كسابقة في المنازعات ذات الطبيعة المماثلة، بل قد يتم الاستفادة منه في تعديل اللوائح الصادرة من غرفة التجارة الدولية إذا لزم الأمر ... و هكذا تتطور الأنظمة و كذلك الممارسات المصرفية و العلاقات التجارية الدولية لتحقيق الفائدة للجميع ... و هكذا تظل غرفة التجارة الدولية رائدة في تطوير العمليات التجارية المصرفية عبر كل الوسائل المتوفرة بما في ذلك استحداث الأنظمة المتطورة لحسم المنازعات عبر التحكيم بنظام ال "دوكدكس" المهني السريع. وعلي بنوكنا و تجارنا بمختلف قطاعاتهم، عند الحاجة، الاستفادة من هذا المنفذ التحكيمي المتطور تحقيقا للعدالة لجميع الأطراف، و في ظل العدالة تتطور المعاملات و تطمئن النفوس للتعامل مع أي مكان و في أي زمان.