الخميس, 14 تشرين2/نوفمبر 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45
الرئيسية أعمدة قانونية آراء قانونية غسـل الأمـوال من منظور الشريعة الإسلامية.

غسـل الأمـوال من منظور الشريعة الإسلامية.

غسـل الأمـوال من منظور الشريعة الإسلامية

د. عبد القادر ورسمه غالب

إنَّ غسل الأموال هو المصطلح الذي يطلق على عملية تحويل الأموال الناتجة من ممارسة أنشطة إجرامية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم خصوصا من حيث مصادرها. ومن مصادر الأموال الإجرامية نذكر كأمثلة، تجارة المخدرات التهريب، الاختلاس، السرقة، الابتزاز، الرشاوى، الإرهاب الخ وتتم عملية غسل الأموال إما بصورة مبسطة أو بصورة معقدة وذلك تبعا لنوعية النشاط المتحصل منه الأموال.

     وقانونا يقصد بغسل الأموال " قبول ودائع أو تحويل أموال مع العلم أن هذه الودائع أو الأموال مستمدة من عمل غير مشروع أو إجرامي وذلك بإخفاء مصدر تلك الأموال أو التستر عليه أو لمساعدة أي شخص يعد فاعلا أصليا أو شريكا في ذلك العمل على الإفلات من النتائج القانونية لفعله".

 

     هذه هي السمات الرئيسية للتعريف القانوني لعملية غسل الأموال ومن الناحية العملية تقسم عملية غسل الأموال، أي تفاصيل ارتكاب الجريمة، إلى عدة مراحل ولقد تم تقسيم هذه المراحل بعد تتبعها الدقيق إلى ثلاثة مراحل.

 أولا: مرحلة الإحلال Placement

 

      في مرحلة الإحلال يركز القائمون بغسل الأموال على تحصيل وجمع الأموال الناتجة من أنشطتهم الإجرامية، ويقوم المجرم في هذه المرحلة الأولية بجمع كميات كبيرة من النقود السائلة ( Cash Money) ويتحاشون استعمال الشيكات أو بطاقات الائتمان ووسائل الدفع عن طريق المستندات وذلك حتى لا يلفتون الأنظار و يستعملون النقود السائلة فقط. بعد جمع النقود السائلة يسعى المجرمون، وبشتى الطرق، التركيز على الخطوات الآتية:

ا) إدخال الأموال في النظام المصرفي والمؤسسات المالية دون لفت الأنظار.

ب) نقل هذه الأموال من مصرف إلى آخر أو خارج الدولة التي يعملون فيها عن طريق التحويلات المصرفية.

     تعتبر مرحلة الإحلال أكثر المراحل صعوبة ووعورة نظرا لاحتمال اكتشافها خاصة وان معظم الدول قامت بوضع قوانين وإجراءات احترازية في المصارف للكشف عن هذه التحركات والتبليغ عنها.

 ثانيا: مرحلة التغطية Layering

      بعد انتهاء المرحلة الأولى يتم إدخال الأموال الناتجة عن النشاط الإجرامي ( الأموال القذرة) في النظام المصرفي أو غيره. وتبدأ المرحلة الثانية، حيث يتم إخفاء علاقة هذه الأموال بمصادرها الأصلية، وذلك بطريقة التغطية، حيث يتم عمل العديد من العمليات المتتالية والمعقدة وإجراء عمليات مالية قانونية ( أموال نظيفة ) مشروعة، والهدف من هذه المرحلة جعل عملية ربط الأموال بمصادرها الإجرامية صعبا.

 ثالثا: مرحلة الدمج Integration

 

      يتم دمج الأموال غير المشروعة في مختلف العمليات المالية والاقتصادية وجعلها في هذه المرحلة الأخيرة تبدو كأموال قانونية سليمة ونظيفة، مثلها مثل الأرباح المشروعة من أعمال تجارية. في هذه المرحلة من الصعوبة بمكان التفريق بين الأموال القانونية ( النظيفة ) والأموال غير القانونية ( القذرة ) وقد يستثمر المجرم أرباحه في المزيد من التعامل مع المنظمات الإجرامية أو في نشاطات أخرى غير إجرامية وفي جميع الأحوال نجد هؤلاء المجرمون يعيشون حياة مترفة ومرفهة. ولقد عرف هؤلاء المجرمون كيف يستثمرون أموالهم في النشاطات التجارية أو السلعية أو المجوهرات أو خلافه من النشاطات الجائزة وذلك حتى يتم غسل هذه الأموال. ولقد أوضحت دراسة قامت بها شعبة مكافحة المخدرات في أمريكا أن هؤلاء المجرمون أصبحوا على دراية وخبرة كافية في مجال استثمار الأموال والعقارات والمجوهرات والمعادن الثمينة والأسهم نظرا لكثرة تعاملهم في هذه النشاطات، بل أن بعضهم أصبح مرجعا في المحاسبة والقانون والعلوم المالية والتجارية وعمليات الاستيراد والتصدير وهذا يجعل "أسلوب غسل الأموال" أكثر تعقيدا، ويجب أن تتطور ميكانيكية مواجهة غسل الأموال لتستطيع محاربة هذه الأساليب والخطط المستحدثة.

 

     من الجهات التي تسهل عملية غسل الأموال في مرحلة الإحلال:

  • المؤسسات المالية التقليدية مثل المصارف ومؤسسات الإقراض والائتمان وغير ذلك من المؤسسات المالية.
  • المؤسسات المالية غير التقليدية مثل بيوت الصرافة وشركات الوساطة للأسهم والمعادن والسلع.
  • محلات التجزئة وصغار التجار والمؤسسات الفردية التي توفر البضائع والخدمات.

     ومن الأساليب المتبعة في إدخال هذه الأموال في المؤسسات المذكورة ما يعرف بعملية "التقزيم" أي تقسيم هذه الأموال إلى نقود سائلة "قزمة" و أقل من 10 آلاف دولار مثلا ( وهذا هو الحد الذي يجب على البنوك – في أمريكا – التبليغ عنه). وفي العادة يقوم شخص بإيداع هذه المبالغ في المصرف أو تحويلها أو استعمالها في شراء أدوات نقدية مثل الشيكات السياحية أو غيره ولقد استفاد المجرمون كثيرا من غسل الأموال بهذه الطريقة عبر المؤسسات المالية والمصارف وشركات الصرافة.

     وفي بعض الحالات قد يكون هناك تواطؤ بين المجرم وموظف المصرف الذي يقوم بإجراء العملية دون التبليغ عنها ولقد ثبت في حالات كثيرة أن هذا يتم دون علم إدارة المصارف. وللحد من هذه التصرفات التي تدين الصناعة المصرفية وتعتبر وصمة لها، فلا بد أن تقوم المصارف بانتهاج أساليب تتيح اكتشاف مثل هذه الممارسات الخاطئة وعمل التدريب الكافي للموظفين وإلزامهم بإتباع برنامج "أعرف عميلك Know your customer " الذي نجح كثيرا في الحد من التجاوزات لان موظف الكاونتر يقوم وفق هذا البرنامج بجمع المعلومات الضرورية عن العميل قبل تنفيذ ما يطلبه من خدمات مصرفية، ويجب على هذا الموظف التبليغ ورفع الأمر إلى الإدارة المختصة عند الشك في أن العملية غسل أموال. وفي حالة التبليغ فأن القانون يمنح هذا الموظف " الحصانة القانونية" ولا تتم ملاحقته قانونا تحت أي ظرف من الظروف.

     ومما لاشك فيه أن المؤسسات المالية يمكن أن تكون خط الدفاع الأول في مواجهة غسل الأموال والعكس صحيح، ولهذا فإن على هذه المؤسسات مسؤولية كبيرة في الحد من غسل الأموال ( القذرة ) وتحويلها إلى أموال ( نظيفة ) ومشروعة، والحصانة القانونية المشار إليها تمثل حافزا كبيرا لإدارة المصارف للتبليغ عند الشك بأن العملية مقصود منها غسل الأموال.

     يتضح من آراء العديد من الفقهاء إن غسل الأموال من الناحية الشرعية يعتبر عملا غير مشروع و مخالفا للشرع الإسلامي الذي يحظر هذه العمليات الإجرامية من عدة نواحي نبين منها و علي سبيل المثال:

  • عملية غسل الأموال تلحق الضرر بالنظام المالي العام في المجتمع الإسلامي لما تتركه هذه العمليات من أضرار بالمجتمعات الإسلامية مما يؤثر علي تنميتها و ازدهارها اقتصاديا.
  • إن عملية غسل الأموال في أساسها ناتجة من أمور محرمة شرعا كبيع الخمور و المخدرات و السرقة و الرشاوى و الإرهاب و غيرها من الأنشطة الاخري غير المشروعة.
  • إن أي تعاون مع من يرتكب هذه الجريمة أللآثمة الخطيرة يعتبر تعاون علي الإثم و العدوان.
  • تتم عملية غسل الأموال بالكذب علي الجميع في ادعاء ملكية أموال لمعاملات صورية تمت بطريقة غير قانونية، و الكذب حرام.
  • إفساد ذمم إطراف المعاملة و ذلك بالكسب الحرام الذي يأخذه نظير مشاركته في الجريمة, وهذا مخالف للشرع.
  • معصية ولي الأمر بعدم إطاعة النظم و الخروج علي إطاعة ولي الأمر لان صدور القانون يعني أن ولي الأمر قد حرم و جرم مثل هذه الأعمال و يجب الامتناع عنها.
  • الاتكال و عدم العمل لكسب الرزق الحلال و إتباع الطرق السريعة للكسب غير المشروع بإتباع الؤسائل المحرمة و هذا الكسب الحرام يأتي بأموال طائلة، وهذا مخالف للشرع.
  • فتح المجال للتحايل علي الناس و أكل أموالهم بالباطل من خلال إقحامهم في عمليات مضاربة مالية آو غير مالية في عمليات غسل الأموال، وهذا مخالف للشرع.
  • إلحاق ضرر بالأسعار لان المجرمون يدفعون أموال طائلة للتغطية و هذا يؤدي إلي الإضرار بالناس و المجتمع حيث تبين، مثلا، أنهم يدفعون أضعاف السعر لشراء العقارات أو الأراضي من اجل إدخال الأموال القذرة في دائرة المال النظيف، وهذا مخالف للشرع.
  • أكل المال الحرام لان ما يستفيده أطراف المعاملة نظير المشاركة في عملية غسل الأموال يعتبر أكلا للمال الحرام، وهذا مخالف للشرع.
  • الإعانة علي انتشار الجريمة لإغراء أعداد كبيرة و خاصة وسط الشباب و المتعطلين بالمشاركة في عمليات غسل الأموال، وهذا مخالف للشرع.
  • تعريض حياة الناس و المجتمع للخطر بسبب انتشار مثل هذه الظواهر الإجرامية و الصراعات التي تتم بين أطراف تلك العمليات وهذه الصراعات قادت إلي ما يعرف بالجرائم المنظمة و تكوين عصابات إجرامية للثأر و الانتقام و الترهيب، و هذا مخالف للشرع.
  • أمثلة أخري عديدة لا يسع المجال لذكرها في هذه العجالة ........

 و الآن و بعد ذكر كل هذه المنغصات و المخالفات القانونية و الشرعية ، نقول ماذا نفعل للحيلولة دون غسل الأموال؟

     لقد تطورت عمليات غسل الأموال في السنوات الأخيرة لتصبح قضية هامة تخص كل دول العالم، لأن هذه الجريمة لا تعرف الحدود وهذه القضية الآن تستحوذ على اهتمام كل الحكومات والمؤسسات المالية المركزية والجهات الأمنية وتعمل كل هذه الدول الآن على إجراء تغييرات على نطاق واسع في القوانين واللوائح إلى جانب تحسين التعاون الدولي في هذا الخصوص وذلك نتيجة لقناعة دولية بأن جريمة غسل الأموال لا يمكن الحد منها إلا بالتعاون والتكاتف الدوليين. ومن أهم الإجراءات الدولية في هذا الخصوص التصديق على معاهدة الأمم المتحدة لعام 1988 – معاهدة فينا - لمكافحة الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة وإصدار توصيات ( 40 توصية) مجموعة فريق العمل المالي ( FATF ) و التوصيات اللاحقة لها.

والأحكام الرئيسية في معاهدة فيينا تنص على الآتي:

1)  أن تتخذ كل دولة طرف من المعاهدة الإجراءات اللازمة لتتمكن من مصادرة العائدات المستمدة من الجرائم المنصوص عليها في المعاهدة أو الممتلكات التي تخص المجرم ومصادرة المواد والمعدات والأجهزة وغير ذلك من الوسائط الأخرى المتعلقة بالعقاقير المخدرة والمستخدمة في الجرائم التي تنص عليها المعاهدة.

2)  تتخذ كل دولة طرف في المعاهدة الإجراءات اللازمة لتمكين السلطات المختصة من تحديد وتعقب وتجميد وحجز العائدات أو الممتلكات أو الوسائط الأخرى المشار إليها في الفقرة (1) أعلاه وذلك لغرض المصادرة المحتملة.

3)  لكي يتسنى تنفيذ الإجراءات المشار إليها في هذه المادة تخول كل دولة طرف في المعاهدة لمحاكمها أو سلطاتها المختصة سلطة الأمر بتوفير السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو وضع اليد عليها ولا يجوز رفض العمل بما يتماشى مع أحكام هذه الفقرة بذريعة سرية الأعمال المصرفية.

     وتنص الاتفاقية أيضا على أن تعمل الدول الطرف في المعاهدة بالتعاون بينها وإحالة القضايا للمحاكم المختصة عندما تطلب دولة أخرى ذلك، والعمل على تنفيذ الأحكام و العمل على تعقب ومتابعة المجرمين واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحديد أو تعقب أو تجميد أو حجز العائدات أو الممتلكات أو الوسائط بغرض المصادرة بناء على حكم قضائي يصدر في تلك الدولة أو في الدولة الطالبة لهذا الإجراء.

     وتنص هذه المعاهدة على ضرورة التعاون بين الدول الموقعة لها ولابد من التزام أية دولة تطلب معاونة دولة أخرى بأن تقدم لها بيانا كاملا بالحقائق والوقائع التي استندت عليها في الطلب وأن يتضمن الطلب وصفاً دقيقاً للممتلكات المراد مصادرتها ونسخة موثقة ومعترف بها من أمر المصادرة الذي يجب أن يكون صادرا من جهة قضائية ونطاق تنفيذ هذا الحكم القضائي.

     وان تعمل جميع الدول الأطراف في المعاهدة على عقد معاهدات أو اتفاقيات أو ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف بغرض تعزيز فاعلية التعاون الدولي للحد من هذه الجريمة وذلك مع مراعاة القوانين والإجراءات الداخلية لكل دولة.

     ووفقاً للإحصائيات التي وردت للأمم المتحدة، فإن العديد من الدول تبنت المبادىء التي وردت في معاهدة الأمم المتحدة لعام 1988 (معاهدة فيينا) و توصيات مجموعة فريق العمل المالي وقامت بإصدار القوانين المحلية الخاصة بمحاربة هذه الجريمة وكيفية منعها والحد منها ومعاقبة مرتكبيها.

من الجدير بالذكر أن هناك اتفاقيات دولية أخري عديدة و أيضا هناك اتفاقيات إقليمية لمحاربة غسل الأموال و لكن المجال لا يسع للتطرق لها جميعا و نأمل أن نفرد لها مقال آخر و لقد تم التركيز علي هذه الاتفاقية للأهمية و للدور الكبير الذي تلعبه في هذا الأمر.

     وكما ذكرنا في المقدمة فإن جريمة غسل الأموال تتم في معظم الأحوال عبر المؤسسات المالية ولكن بفضل المواثيق والاتفاقيات والقوانين المتعلقة بتوخي الحيطة والعقوبات المرتبطة بها والتي صدرت في العديد من الدول، صارت المؤسسات المالية ملتزمة بتحمل المسؤولية و العمل على اتخاذ إجراءات إيجابية لمنع عمليات غسل الأموال والحد منها قدر المستطاع. وكما بينا أيضا فان هذه العملية تعتبر مخالفة للشرع الإسلامي و لهذا يجب أن نتحمل المسئولية بقدرها لان التزامنا بالشرع يضاعف مسئولية محاربة هذه الجريمة و الحد منها بكل السبل و مهما كلف الأمر.     

و جريمة غسل الأموال قد تبدأ بعملية صغيرة جدا لا تلفت النظر و لكن اكتشاف هذه العملية الصغيرة قد يقود إلي فتح الطريق لاكتشاف جريمة كبيرة أو سلسلة جرائم تقوم بها عصابات متخصصة في الإجرام بشتى ضروبه، و لذا فان اتخاذ واجب الحيطة و الحذر أمر هام و أساسي في محاربة و مواجهة هذه الجريمة و من خلفها العصابات الدولية التي تخطط لتحقيق أغراضها بشتى السبل, و من الواجب علي القطاع المصرفي و جميع العاملين فيه سد السبل لمنع ارتكاب هذه الجرائم عبرهم أو بواسطتهم و هذه رسالة كبيرة بل وعظيمة و يجب علي الجميع التكاتف لتحقيقها.

 

د. عبد القادر ورسمه غالب

المستشار القانوني و مدير دائرة الشئون القانونية

بنك البحرين و الكويت

البحرين

Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.  

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع