الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45
الرئيسية أعمدة قانونية آراء قانونية شيك الضمان والمسؤولية الجنائية.

شيك الضمان والمسؤولية الجنائية.

كاتب التقرير :د. عبد القادر ورسمه غالب المنامه 8-8-2012-سونا :

تسهيلا للعمل التجاري وكافة المعاملات أتاح القانون استخدام الشيكات ونظم طريقة تداولها ومنح الشيك القوة القانونية لتوفير الثقة المطلوبة بين الأطراف والاطمئنان عند التعامل بالشيكات، ولذا نادرا جدا ما يتم استخدام النقود الورقية في الدول المتقدمة لأن دفتر الشيكات يحل محلها وتبقي النقود محفوظة بأمان ودائرة في البنوك. والقانون جعل الشيك أداة وفاء ليكون في نفس مرتبة التعامل بالأوراق النقدية ويجري مجراها وذلك من أجل أن يقبله المستفيد لعلمه بحصوله على مبلغ الشيك عند تقديمه وبمجرد الاطلاع عليه. ولذا فان القانون يلزم الساحب مصدر الشيك بعدم توقيعه ما لم يكن على علم ودراية بوجود المبلغ الكافي في الرصيد لتغطية الشيك عند تقديمه للبنك، وإلا أعتبر مخالفا للقانون بارتكابه جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وكما يقولون فإنك عند توقيعك للشيك بدون رصيد كافٍ تكون بذلك قد وقعت بيدك على أمر دخولك للسجن لاكتمال الجريمة عند التوقيع مع نية الاحتيال.

 ومن هذا المنحى يأخذ الشيك قوته وسنده القانوني بمعاملته كأداة "وفاء" وليس أداة "دين" كالأوراق التجارية الأخرى مثل الكمبيالات أو السند الاذني ... ولكن مع وجود القانون نحتاج لثقافة منح الشيكات القوة المعنوية قبل القانونية وعدم الاستهتار بها، كما يحدث عندنا، من الجميع والكل مطمئن إلا أن ما يفعله ليس جرما خطيرا بل أمر عادي جدا ويمر مرور الكرام... ولننظر لما يحدث في الدول الأخرى إذا قام شخص أوشركة بإصدار شيك بدون رصيد حيث ينبذه المجتمع ويعاقبه قبل القانون والمحاكم.

والشيك كمستند يجب أن تتوفر فيه بيانات محددة حتى تتم معاملة المستند كشيك من الناحية القانونية. ومن هذه البيانات كلمة "شيك" على متن المستند والتاريخ واسم الساحب مصدر الشيك واسم المستفيد من الشيك والبنك الذي يدفع قيمة الشيك والمبلغ المطلوب سداده إضافة لتوقيع الساحب مصدر الشيك (صاحب الحساب)... وهكذا تم ويتم تداول الشيكات بين الأطراف منذ استحداثها. وبهذه الكيفية المتعارف عليها ولنقل التقليدية يتم إصدار الغالبية العظمى من الشيكات يوميا، ولكن منذ فترة تم استحداث ظاهرة "شيك الضمان" حيث يقوم أحد الأطراف الساحب "مصدر الشيك" بتقديم الشيك لطرف ثاني "المستفيد" كضمان منه للعملية أو تنفيذ التزامات بدفعيات محددة في أوقات محددة. هذا مع العلم أن الساحب قام بتحرير وإصدار الشيك بنية استخدامه كضمان أو كوسيلة ضغط عليه للالتزام بالتزاماته المتفق عليها مع الطرف الآخر المستفيد.

و طبعا مع استحداث كل تجربة جديدة تظهر صعوبات ومشاكل عملية، بالرغم من وجود بعض الايجابيات، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ينال هذا الشيك الجديد "شيك الضمان" نفس الحماية القانونية الممنوحة للشيك العادي؟ أم أن هناك نظرة مختلفة؟ وحقيقة لقد ظهرت قضايا ومشاكل عديدة بين أطراف هذا الشيك لأنه عند تسليمه كان الغرض من إصداره استخدامه كضمان وليس للوفاء عند الاطلاع عليه، كما عليه الوضع في الشيكات "التقليدية" الأخرى؟ وفق القانون فان جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتم بمجرد إعطاء الشيك للمستفيد مع العلم التام بعدم وجود رصيد كافي قابل للسحب لتغطية قيمة الشيك، وفي هذا تتوفر الحماية القانونية التي قام المشرع بمنحها للشيك مع ضرورة عقاب مرتكب هذه الجريمة نظرا لأن الشيك أداة وفاء ويجري مجري النقود في المعاملات بين الأطراف.

وهذا الوضع القانوني ينطبق علي أي شخص يقوم بتحرير شيك وهو يعلم عدم وجود الرصيد لتغطيته، ولا عبرة هنا بالأسباب التي دفعت هذا الشخص لإصدار الشيك لأن هذا الباعث لا تأثير له في قيام المسؤولية الجنائية، إذ لا يستلزم فيها قصد جنائي خاص، لأن قصد المشرع الأساسي ينطلق من حماية الشيك كأداة دفع ومعاملته كالنقود السائلة بمجرد استلامها. وليس لحماية الأطراف ومبرراتهم في لجميع الأحوال. ومن هنا يطهر عدم وجود سند، في الهروب من المسؤولية الجنائية، لمن أعطي "شيك الضمان" على سبيل الضمان فقط وليس كأداة وفاء وإنما بغرض الاحتفاظ به وعدم طرحه للتداول لأنه لا يستطيع وليس في مقدور أي شخص أن يغير من طبيعة الشيك القانونية وإخراجه عما خصه به القانون من مميزات وامتيازات خاصة به، لأنه لا عبرة في قيام جريمة الشيك بسبب تحريره أو الغرض من تحريره. وعليه يجب عدم توقيع أي شيك ومهما كانت مسمياته كشيك ضمان أو خلافه إلا بعد التأكد التام بوجود الرصيد الكافي لمقابلة الشيك عند تقديمه والاطلاع عليه.

وبكل أسف، هناك جهات عديدة تطلب وتضغط على تقديم "شيك الضمان" ويوهمون من يقدمه أنه شيك مختلف وللضمان فقط ، ولكن يجب العلم بأن هذا الشيك إذا تم تقديمه وارتد لعدم وجود الرصيد فان الجريمة اكتملت تماما والعقوبة لازمة لاكتمال أركان الجريمة لأن المستند يعتبر شيكا ويعامل كذلك عند اكتمال توفر البيانات والشروط التي يتطلبها القانون والتي ذكرناها أعلاه. وهذا ينطبق أيضا حتى إذا قام الساحب بتسليم الشيك للمستفيد دون وضع التاريخ أو القيمة (الشيك على بياض) لأن الساحب قدم الشيك بنية أن المستفيد سيقوم بإكمال البيانات عند الحاجة، ويفترض عند تقديم الشيك بعد ملأ البيانات أن يتم تغطيته وسداد قيمته لوجود الرصيد الكافي في حينه، ألا يتحمل النتائج. ولذا لتقديم "الضمان"، ننصح ونقول: هناك وسائل وبدائل قانونية أخرى يجوز أن نلجأ إليها وأن نستنفذها خاصة وأن عدم الوفاء بها لا يشكل جريمة بل منازعات مدنية تذهب وتراوح مكانها بين أروقة المحاكم المدنية بعيدا عن التحقيقات والإجراءات الجنائية بما فيها من نيابات وشرطة وزنزانات بل وسجون عالية الأسوار ومحكمة الإغلاق وبما لا يمكنك من متابعة أعمالك وممارسة حياتك العادية. ولكن لتكن حكيما وفطنا لأن الطرف الآخر قد لا يقبل لفقدانه عنصر الضغط الجنائي.

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع