الدكتور/ عبد القادر ورسمه غالب.
كل الدول و الجهات المختصة في العالم تبذل جهودا حثيثة متتابعة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب عبر استنفاذ كل السبل المتاحة خاصة عبر القطاع المصرفي الذي يلجأ اليه المجرمون لدس سمومهم وتفريغها لزرع اجرامهم في الأماكن والأرجاء الرخوة. وفي هذا الاتجاه، يتكاتف الجميع لتحقيق أعلي درجات اليقظة في متابعة جرائم غسل الأموال وتمويل الارهاب ويتم رصد هذه الحركة بصفة لصيقة بواسطة جهات متعددة تقوم بالمتابعة وجمع البيانات والتحليل والتقييم وكل هذا بهدف تطوير العمل والتقليل من السلبيات وسد النواقص حتي يكتمل رص الصفوف لمكافحة هذه الجرائم بل والقضاء عليها حيثما وجدت في كل الأمكنة. فالعالم بيت واحد.
من ضمن الجهات العلمية التي تقوم بمتابعة تقييم الأداء في مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، نجد معاهد وبيوت خبرة عالمية واقليمية، ومن بينها نجد "معهد بازل للحوكمة" الذي يعتبر أحد المراكز العلمية العالمية الموثوقة التي تعمل في هذا المجال. ولدي معهد بازل للحوكمة باع طويل في مجال الدراسات ووضع المؤشرات العلمية التي توضح تفاصيل سياسات مكافحة غسل الاموال و تمويل الارهاب في كل الدول. و يعتبر مؤشر غسل الاموال وتمويل الارهاب الذي يصدره معهد بازل للحوكمة من الوثائق الهامة التي تؤخذ في الحسبان و يعتد بها عالميا لتحديد وضع كل بلد بغرض وضعه في مكانه الصحيح والمستحق بين الدول.
قبل أيام صدر تقرير معهد بازل للحوكمة حول "مؤشر غسل الأموال وتمويل الارهاب لعام 2014"، ولقد تناول هذا المؤشر الأوضاع في (162) بلدا من كل القارات وبحسب ما توفر لديه. وبكل أسف، فان وضع السودان في هذا المؤشر في آخر القائمة حيث كانت المراتب الثلاثة الأخيرة "الطيش" من نصيب العراق والسودان واليمن. وهذا، بكل بساطة، يعني أن السودان من الدول ذات المخاطر العالية جدا بالنسبة لغسل الأموال وتمويل الارهاب أو قد تكون حاضنة له، وذلك وفق المعايير التي تم اتباعها لإعداد هذا المؤشر. ولقد كان في مقدمة الدول، أي أفضلها في مواجهة هذه الجرائم، فنلندا وإستونيا ولتوانيا وبلغاريا وبولندا ونيوزيلندا ومالطا وجمايكا...
وشمل التقرير (19) بلدا عربيا وكانت أفضلها سلطنة عمان وقطر والاردن... ومن هذا يتبين أن بعض الدول العربية تهتم ولديها الاجراءات الفعالة لمواجهة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، مما يقلل المخاطر في هذه المجالات وستتعامل معها بقية الدول استنادا لهذا الواقع الذي بينه مؤشر معهد بازل للحوكمة. ومن الجدير بالذكر، أن اعداد المؤشر يعتمد علي عدة مصادر من ضمنها جمع المعلومات بصفة مباشرة من البلد أو عبر جهات أخري قامت بالجمع أو استقاء المعلومات من تقارير ودراسات قامت بها جهات عالمية علمية معتبرة، أو منظمات المجتمع العالمية، أو عبر تحليل بيانات أو تقارير صادرة من البلد أو الجهات التي تتعامل معه... وهكذا تتنوع المصادر وهذا يعطي زخما وقوة للمؤشر لأنه وقف علي آراء عديدة و أفكار متنوعة بخلفيات متعددة.
ويعتبر البلد ذو مخاطر عالية بالنسبة لجرائم غسل الأموال و تمويل الارهاب وذلك استنادا لعدة أمور منها دراسة وتقييم مجمل سياساته المتبعة في هذا الخصوص، والقوانين السارية ومدي كفايتها لاعتبار أن هذه الأفعال جرائم يعاقب عليها جزائيا، وكيفية تطبيق هذه القوانين والأنظمة ومدي فعاليتها، وما هو وضع "حكم القانون" وسيادته في البلد، واستقلال القضاء ونزاهته ومدي كفاءة الأجهزة المساعدة له... هذا اضافة لعدة مخاطر أخرى مرتبطة كالشفافية في المعاملات المالية والمسائل العامة الأخرى، ومدي فعالية تحديد الفساد بشتي أنواعه وطرق مكافحته ... كل هذه النقاط، ضمن أخري، تؤخذ في الاعتبار عند اعداد "المؤشر" لتقييم الوضع في كل بلد. وكلما كانت المخاطر عديدة ولا تقابلها خطط قوية للحد منها والسيطرة عليها، يكون البلد المعني في مؤخرة "المؤشر" بالنسبة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، وبالتالي فالحذر واجب لوجود مخاطر في التعامل معه.
ان الهدف الأساسي من اصدار هذه المؤشرات ينحصر في دراسة الأوضاع في كل بلد وتقييمها تقييما علميا مجردا، ثم يتم وضع كل بلد في مكانه المستحق وفق المنهج المتبع في التقييم. وكما أوضحنا فالجهات التي تقوم بإعداد هذه "المؤشرات" جهات علمية محايدة تستقي مصادرها من عدة سبل، وهي لا تقوم بإصدار التقرير الا بعد العديد من الدراسات والتحاليل العلمية لتضمن النجاح لأعمالها وبما يعطيها المصداقية العلمية حتي تبقي في السوق. والمصداقية هنا هي المحور الرئيسي "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"...(الآية)... وفي واقع الأمر، فان العديد من الدول تتعامل مع مثل هذه الدراسات بكل واقعية وأريحية وتستفيد من كل ما ورد في هذه التقارير والمؤشرات، ثم تقوم بتحسس أرجلها ومراجعة ما لديها لتعرف الي أين تسير وأين تقف وما هو المطلوب ؟ وكل هذا انطلاقا من قاعدة أن النقد العلمي مفيد وبداخله معلومات يجب أن نأخذها في الحسبان بكل جدية من أجل مراجعة وضعنا، والعمل علي تحسينه وفق المعايير السليمة المتبعة في كل العالم. لأن علي كل العالم الوقوف "وقفة" رجل واحد في وجه هذه الجرائم السوداء.
وانطلاقا مما تقدم نقول، أن علي الجهات الرسمية في السودان المختصة بما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الارهاب دراسة ما ورد في مؤشر معهد بازل للحوكمة واعتبار أن ما ورد فيه "مؤشرا" خطيرا عن حقيقة الوضع بالسودان وما لهذا من انعكاسات سلبية متعددة تزيد الطين بلة. وعليكم، تحمل مسئولياتكم وتقييم ما ورد في هذا "المؤشر" من أجل التقويم والتصحيح والاستفادة من الأخطاء ومن تجارب الآخرين. وعليكم، الابتعاد عن الدفاع الأجوف والمغالطات أو دفن الرؤوس في الرمال لأن هذا لا يعدل الغسيل المنشور الآن علي كل العالم حيث تجد كل من يسمع اسم "السودان" يضع يده علي "قلبه" ويجري بعيدا حتي لا يصاب ب "ايبولا"، عفوا، جرثومة غسل الأموال وتمويل الارهاب. و يا جماعة بالله عليكم، لماذا تحملون سوداننا ما لا طاقة له به. وفي انتظار تقرير العام القادم، ونأمل......
الدكتور/ عبد القادر ورسمه غالب
المستشار القانوني وأستاذ القانون بالجامعة الأمريكية بالبحرين
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Twitter:@1awg