التحكيم الدولي والمحلي
ومدى تناسبه لحل منازعات المصارف
دكتور/ محيى الدين إسماعيل علم الدين.
مقدمة :
التحكيم نوع من القضاء الخاص تخرج به القضايا والمنازعات من اختصاص السلطة القضائية في الدولة. ويعهد بها إلى محكم ، أو أكثر يختارها اطراف النزاع للحكم بينهم طبقا للقانون أو طبقا لقواعد العدالة .
وفي بداية الحياة البشرية على وجه الأرض كانت الخلافات تحل بالقوة البدنية والقصاص يؤخذ بطريق الانتقام الفردي . وظل الحال كذلك إلى أن وجدت نواه المجتمع من تجمع بعض الأسر والعشائر والقبائل في مكان واحد وظهرت على هذه المجتمعات سلطة عامة أذعن لسلطاتها الأفراد ، ومن ثم بدأت تتكون للسلطة العامة أجهزة تباشر بواسطتها المحافظة على الأمن والاستقرار في المجتمع ومن هذه الأجهزة المحاكم القضائية . غير أن ظهور المحاكم لم يمنع الأفراد من الالتجاء إلى اختيار محكمين يفصلون في منازعاتهم . وبذلك ظل التحكيم معروفا إلى جانب القضاء العادي الخاضع لسلطة الدولة .
وتحدث أرسطو عن التحكيم والقضاء فقال : أن القاضي يحكم طبقا للقانون ، أما المحكم فيحكم طبقا للعدالة. وكان التحكيم معروفا عند العرب قبل الإسلام ولما جاء الإسلام اقره واعترف به وجاء في القرآن الكريم التحكيم بين الزوجين إذا اختلفا : " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " . وأجرى التحكيم بواسطة بعض الأشخاص المعروفين بالحكمة ، فقد روى في حديث شريف انه قال لرسول الله صلى عليه وسلم " أن قومي يحتكمون إلى فاحكم بينهم فيرضون " فقال الرسول : ما أحسن هذا " . ومن الوقائع المشهورة في التاريخ الإسلامي التحكيم بين علي ومعاوية والذي انتهى إلى البطلان نظرا لخيانة محكم معاوية .
مزايا التحكيم :
يحقق التحكيم مزايا عديدة من أهمها :
1- أن انتشاره يؤدي إلى تخفيف عبء العمل عن السلطات القضائية .
2- أن الأطراف يشعرون بالارتياح إلى المحكم لأنه ليست رهبة وهيبة القاضي ولأنه يخصص كل وقته لهم .
3- أن التحكيم يمكن أن يتم دون التقييد بالقانون وإنما يحكم المحكم بما يمليه عليه ضميره. أما القاضي فلا يستطيع أن يحكم بغير القانون .
4- أن الأطراف في التحكيم يستطيعون أن يضعوا لأنفسهم الإجراءات التي يسير عليها المحكم في نظر القضية . أما أمام القضاء العادي فليس لهم ذلك وإنما تطبق عليهم قواعد قانون المرافعات بصفة إجبارية .
5- أن التحكيم يحافظ على أسرار الأطراف ولا يستطيع المحكم أن يذيعها أو يحكى عنها لآخرين أما القضايا المعروضة على المحاكم فتنتظر في جلسات علنية ويمكن استنساخ صور من الأحكام الصادرة فيها والإطلاع على ملفاتها .
6- أن الأصل في حكم التحكيم أن يكون حكما نهائيا لا يجوز الطعن فيه إلا إذا كان باطلا . أما أحكام المحاكم العادية فيمكن لأي طرف لا يعجبه الحكم الطعن فيه لأسباب تتعلق بالشكل أو الموضوع أو تطبيق القانون .
7- أن الأطراف في المحاكم العادية يدخلون إلى ساحة القضاء وهم ينظرون إلى الوراء أي أنهم يهتمون بتصفية حساباتهم والانتقام لأنفسهم . أما الأطراف في التحكيم فهم ينظرون إلى الأمام لأنهم يحرصون على أن تستمر العلاقات ودية بينهم بعد أن يحلوا الخلاف الحاصل بينهم .
8- أن التحكيم يوفر مبالغ كبيرة في البلاد التي تكون فيها مصاريف التقاضي أمام المحاكم كبيرة جداً .
9- أن الفصل في القضايا أمام التحكيم يتم بسرعة ، بينما تتأخر عادة القضايا المعروضة على المحاكم العادية .
10- أن التحكيم في المنازعات الدولية يساعد المدعي على تجنب رفع الدعوى في بلد المدعى عليه وتحمل مخاطر جهله بقوانينها .
11- أن المحكم يستطيع أن يسد النقص الموجود في العقد وان يعد له إذا تغيرت ظروف التعاقد أما القاضي فليست له هذه السلطة ما لم ينص عليها .
أنواع التحكيم :
يمكن النظر إلى التحكيم من زوايا مختلفة ووضع تقسيمات له على ضوء ذلك ، ومن هذه التقسيمات ما يلي:
أولا : التحكيم المحلي والدولي :
ويتم التحكيم المحلي بين أطراف ينتمون لدولة واحدة ولا يوجد في علاقاتهم أي عنصر خارجي . أما التحكيم الدولي فيكون بين أطراف ينتمون لدول مختلفة أو ينتمون لدولة واحدة ولكن يتعلق نزاعهم بأموال أو مشروعات موجودة في دولة أخرى .
ثانياً : التحكيم بالقضاء والتحكيم بالصلح :
قد يطلب الأطراف من المحكم أن يحكم بينهم طبقا للقانون فيسمى هذا تحكيما بالقضاء وقد يطلبون منه أن يحكم غير متقيد بالقانون وإنما طبقا لما يراه ضميره أو طبقا لقواعد العدالة Ex aeqo et bono وليس على المحكم في هذه الحالة أن يراعي قواعد القانون في حكمه ، وإذا تقيد بها فانه يجب عليه أن يبدي أسبابا ومبررات لكونه حكم طبقا للقانون بينما هو معفى من تطبيقه .
ثالثاً : التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري :
الأصل أن يكون التحكيم اختياريا أي بإرادة الأطراف سواء قبل نشوء النزاع أو بعد نشوئه. ولكن قد يفرض القانون على الأطراف الالتجاء للتحكيم وذلك كما هو الحال في نظام تحكيم القطاع العام في مصر حيث يجب أن تعرض المنازعات بين أي شركة عامة وبين أي شركة عامة وبين أي جهة حكومية أو مؤسسة أو هيئة عامة على هيئة تحكيم تشكل من مستشار من رجال القضاء رئيسا وعضو عن كل من الأطراف ، مثاله أيضا التحكيم حول ضريبة المبيعات في مصر أيضا إذ تعرض منازعتها على لجان ابتدائية أو لجان عليا للفصل فيها . وقد كان في قانون إنشاء بنك فيصل الإسلامي في مصر مادة تقضي بحل المنازعات بين البنك وعملائه بطريق التحكيم . ولكن المحكمة الدستورية العليا في مصر قضت بان هذا التحكيم إجباري وانه يبعد المواطن عن قاضيه الطبيعي ولذلك يعتبر غير دستوري وبذلك شلت هذه المادة من القانون وامتنع تطبيقها وصارت ملغاة . وأصبح البنك المذكور لا يلجأ إلى التحكيم إلا بطريقة اختيارية فإذا رفض عميله الخضوع للتحكيم كان التقاضي بينهما أمام القضاء العادي . غير أن المحكمة الدستورية العليا قد أخطأت في هذا الحكم لأن المشرع عندما وضع قانونا لهذا البنك الإسلامي لاحظ أن منازعاته لا يمكن إخضاعها لأحكام القوانين الوضعية وانه يجب أن تطبق عليه الشريعة الإسلامية ولذلك سحب الاختصاص بمنازعاته من المحاكم العادية وجعلها من اختصاص هيئات التحكيم فهي التي تستطيع تطبيق الشريعة الإسلامية . ولم تتنبه المحكمة الدستورية إلى هذه الفكرة فسلكت طريقا خاطئا في هذا الموضوع . ولا يمكن تصحيحه الآن لأن أحكامها غير قابلة للطعن فيها .
رابعا : التحكيم النظامي أو المؤسسي والتحكيم الخاص (أو الفردي أو الواقعي):
يقصد بالتحكيم النظامي التحكيم الذي ينظر أمام هيئة دائمة متخصصة في إجراء التحكيم مثل غرفة التجارة الدولية ، ومحكمة لندن للتحكيم الدولي ، ومركز اكسيد بالبنك الدولي ، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (تابع للأمم المتحدة) ، ومركز التحكيم الإسلامي بجامعة الأزهر ، ومراكز التحكيم المحلية التابعة للغرف التجارية في مختلف بلاد العالم ومن أحدث مراكز التحكيم المركز اليمني للتوفيق والتحكيم . أما التحكيم الفردي Ad hoc فالمقصود به التحكيم الذي يديره الأطراف بأنفسهم فيختارون المحكمين غير تابعين لجهة معينة ويتفقون معهم على الأتعاب ويطلبون منهم الفصل في قضية معينة .
خامساً : التحكيم بمشارطة أو بشرط تحكيم :
تعقد مشارطة التحكيم باتفاق خاص بين الطرفين لحل نزاع قائم بينهم ، وتنتهي المشارطة بالفصل في هذا النزاع فلا تصلح للفصل في أي نزاع آخر . أما التحكيم من خلال شرط التحكيم ، فيكون بواسطة شرط يوضع في عقد مقاولة أو عقد بيع أو أي عقد آخر وينص فيه على أن أي خلاف ينشأ بمناسبة هذا العقد يعرض على التحكيم . وهذا الشرط ليس لا حقا لنشوء نزاع كما في الحالة السابقة ، وإنما هو سابق على حصول أي نزاع بين الأطراف وهو احتياط للمستقبل إذا حصلت منازعات ، وهو لا يقتصر على قضية واحدة كما في حالة المشارطة ، بل يصلح شرط التحكيم لأي عدد من القضايا تظهر بمناسبة منازعات متعددة ناشئة عن العقد الذي تضمن شرط التحكيم ، ويجمع بين المشارطة وشرط التحكيم تحت مسمى شامل هو اتفاق التحكيم . فهذا الاتفاق قد يكون مشارطة وقد يكون شرط تحكيم وارد في عقد أو في ورقة مستقلة .
طبيعة التحكيم :
التحكيم في نظر البعض هو اتفاق بين طرفين على طريقة لحل مشاكلهم ، ولذلك فان التحكيم لا يجوز إجراؤه إلا إذا وجد هذا الاتفاق . وهذا الاتفاق نابع من مبدأ أساسي في القانون هو مبدأ سلطان الإرادة ومعناه أن إرادة الإنسان لها أن تنشئ ما تشاء من الحقوق والمراكز القانونية ولها أن تبرم ما تشاء من العقود والاتفاقات ، أن تحدد آثار هذه العقود ، والعقد الذي تبرمه إرادة الأفراد هو شريعة المتعاقدين ، أي هو القانون الذي يحكم علاقاتهم . فالعقد له نفس طبيعة القانون ، والقانون وله نفس طبيعة العقد لأنه في نظر وليد العقد الاجتماعي الكبير الذي تم بين أفراد المجتمع في وقت غير معروف في الماضي بان ينزل كل واحد منهم عن قسط من حريته مقابل استمتاعه بالحريات الأخرى إذ انه إذا بمقتضى هذا العقد الاجتماعي نشأت السلطة وأخذت تضع القوانين فكان هذه القوانين ناشئة في الحقيقة من عقد أو اتفاق كبير بين أفراد المجتمع وكما أن القاضي لا يملك أن يعدل القانون فهو أيضا لا يملك أن يعدل العقد لانهما من طبيعة واحدة فالعقد ملزم لأطرافه وللقاضي أيضا . ومع أن العقد ملزم إلا أن إرادة الأطراف تملك أن تعدله .وهذا التعديل ليس انتهاكا لمبدأ سلطان الإرادة بل هو إعلان عن انتصار جديد مبدأ سلطان الإرادة .
ولا تقتصر قوة الإرادة على التشريع في موضوع العقد بل لها أن تشرع في مجال الإجراءات المحيطة به مثل رسم طريق لحل المنازعات التي تتولد عنه عن طريق التوفيق أو التحكيم . فإرادة الفرد هي المشرع ولكنه مشرع صغير أو في نطاق محدود يستمتع بحرية وضع قواعد اتفاقية لها قوة القانون ولكن استمتاعه هذه الحرية يجب إلا يمس بحريات الآخرين .
ونتيجة لسطوة الإرادة وسيطرتها على التحكيم فهي التي تحدد في التحكيم المحلي وفي التحكيم الدولي – القانون الذي يطبق على موضوع النزاع ، والقانون الذي يطبق على الإجراءات وقد تضع قواعد لهذه الإجراءات من صنع الأطراف ، وينتهي النزاع بصدور الحكم فلا يجوز استئنافه لأن هذه نتيجة للاتفاق على التحكيم . وإذا كانت إرادة الأطراف خاضعة أثناء الاتفاق على التحكيم لإكراه أو تدليس أو غلط فان التحكيم الذي يتم بناء على هذا الاتفاق يكون قابلا للإبطال لأن الإرادة ذات السلطان هي الإرادة الحرة المختارة غير المعيبة ، أما الإرادة المعيبة فلا يترتب عليها اثر . وبالعكس إذا كانت الإرادة وقت الاتفاق على التحكيم سليمة ولكنها وقت الاتفاق على البيع أو المقاولة معيبة فان هذا يختلف عنه تماما من حيث محله ومن حيث سببه . فالمحل في البيع بين الأطراف مثلا هو تبادل المبيع والثمن والسبب هو الغرض الذي ينشده كل من الطرفين من هذا البيع أما المحل في اتفاق التحكيم فهو تهيئة وسيلة لفض الخلافات والسبب في اتفاق التحكيم هو حل النزاع عن غير طريق القضاء بطريقة ترضي الطرفين لتستمر علاقتهما مستقبلا لذلك قد يكون اتفاق التحكيم صحيحا بينما العقد الأصلي باطل وقد يكون العكس ، فليس هناك ارتباط بينهما .
وفي نظر البعض الآخر أن التحكيم ليس مجرد اتفاق ، فليست كل تفاصيل التحكيم خاضعة لإرادة الأطراف ، بل أن إرادة المحكمين تلزم إرادة الأطراف بما يحكم به المحكمون ، فالتحكيم قضاء وليس مجرد اتفاق . ثم أن إرادة الأطراف وهي تعمل في مجال التحكيم يجب ألا تتعارض مع النظام العام في الدولة التي يجري على أرضها التحكيم وألا تتعارض مع النظام العام الدولي. ونتيجة لهذا الرأي فان الحكم الذي يصدر في التحكيم يمكن أن يكون مثارا للطعن عليه بالاستئناف كالأحكام القضائية .
على أن الخلاف حول طبيعة التحكيم بين هذه الاتجاهات المختلفة ليس خلافا جوهريا بل يمكن القول بان التحكيم يجمع بين الصفتين التعاقدية والقضائية ، فهو في أوله اتفاق وفي وسطه إجراء وفي نهايته قضاء . ولا تعارض بين هذه الأوصاف المختلفة إلا في حدود ضيقة تحسمها عادة نصوص القانون .
ويعتبر التحكيم استثناء من اختصاص المحاكم القضائية في الدولة . لذلك لا يجوز إحالة قضية إلى التحكيم إلا إذا وجد اتفاق بين الأطراف على ذلك . وعندما يلاحظ القاضي وجود هذا الاتفاق ويطلب إليه المدعى عليه إحالتهم إلى التحكيم فان القاضي يحكم بعدم اختصاصه بنظر موضوع النزاع .
ويجب أن نلاحظ أن أحكام المحكمين تحوز دائما الحجية القانونية بين الأطراف ، ولكنها مع ذلك لا يمكن تنفيذها إلا إذا حصل المحكوم لصالحه على إذن أو أمر من المحكمة يسمح بتنفيذ حكم التحكيم . وتتحقق المحكمة قبل إعطاء هذا الإذن من كون التحكيم قد أجرى سليما من حيث صحة إعلان الأطراف وإعطائهم الفرصة الكافية لإبداء دفاعهم كما تتحقق من كون الاتفاق على التحكيم صحيحا ومن أن حكم التحكيم لا يتعارض مع حكم آخر صادر من إحدى محاكم الدولة وانه ليس فيه ما يمس بالنظام العام في الدولة وان المحكمين والأطراف مستوفين للأهلية القانونية .
المجالات التي لا يجوز التحكيم فيها :
لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ومعظمها من المسائل المتعلقة بالنظام العام لكونها ذات صلة بالنظام الاجتماعي وأسسه القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأسرية والدينية وعلى ذلك يمكن انه لا يمكن إجراء التحكيم في المسائل الآتية :
1- المسائل الجنائية :فلا يملك الأطراف تقديم شخص للمحاكمة الجنائية أمام محكمين ولا يملك المحكم أن يحكم بالغرامة على شاهد امتنع عن الحضور للإدلاء بالشهادة فهذه مسائل من اختصاص المحاكم ولكن من الممكن أن يجري تحكيم عن الآثار المالية المترتبة على جريمة ، مثل إجراء تحكيم لتقدير التعويض الذي يستحقه المجني عليه .
2- مسائل الأحوال الشخصية ذات الصلة بالنظام العام :ومن أمثلتها مسائل الحالة الشخصية والعائلية التي لا يجوز المساس بها فالجنسية لا يمكن إجراء تحكيم لإثباتها أو نفيها ، وكذا حق الشخص في اسمه وثبوت النسب والأنصبة المسنونة في الميراث .
3- المسائل المتصلة بالحقوق السياسية : مثل حق الانتخاب وحق الترشيح وحريات الرأي والصحافة وغيرها. ولكن يجوز أيضا التحكيم بشأن التعويض عن الإساءة إلى إحدى هذه الحريات .
المجالات التي يجوز فيها التحكيم :
في غير المجالات السابقة يمكن إجراء التحكيم كما يلي :
أولاً: يجوز إجراء التحكيم سواء كانت العلاقة بين الطرفين تعاقدية أو غير تعاقدية . فإذا كانت العلاقة تعاقدية وضع شرط التحكيم في العقد أو في اتفاق مستقل عن العقد حسب رغبة الأطراف وإذا كانت العلاقة غير عقدية فيحرر اتفاق تحكيم فقط فمثلا إذا كان احد المشروعات يقوم بأعمال منافسة غير مشروعة نحو مشروع آخر ، فانهما قد يتفقان على عرض هذا الأمر على التحكيم رغم انه ليست هناك علاقة عقدية بينهما إذ أن المنافسة غير المشروعة تنبع من المسئولية التقصيرية لا من قانون العقود .
ثانياً: يجوز إجراء التحكيم بين الأفراد ، وبين الشركات ، وبين أفراد مع شركات ، وبين أشخاص من أشخاص القانون الخاص (أفراد طبيعيين أو أشخاص معنوية) وبين أشخاص من أشخاص القانون العام مثل الدولة وفروعها والهيئات العامة والمؤسسات العامة والسلطات المحلية المختلفة . وكان قد صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في مصر في فبراير سنة 1990 يقرر عدم امكان دخول الأجهزة الحكمية في تحكيم مع القطاع الخاص ، ولكن هذا الحكم مخالف لقانون مجلس الدولة نفسه الذي تنص المادة 58 منه على جواز التحكيم وزيادة في إيضاح امكان التحكيم في العقود الإدارية تم تعديل قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 (وهو موافق لقانون التحكيم اليمني الصادر عام 1992) بما يفيد امكان التحكيم في العقود الإدارية . كذلك يجوز إجراء التحكيم بين الدول في العلاقات الدولية ويخضع للقانون الدولي العام .
ثالثاً: يجوز التحكيم في المسائل التجارية بصفة أساسية ويجوز كذلك في المسائل المدنية التي لا يحول النظام العام دون النظر فيها . وبصفة عامة يجوز التحكيم في العلاقات الاقتصادية بالمعنى الواسع سواء في مجالات الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو السياحة أو الخدمات وسواء تعلق الأمر بمشروعات استخراجية أو بمشروعات تقوم على تداول الثروات وسواء تعلق الأمر بقاعدة في القانون التجاري أو القوانين المدنية أو العمالية أو المصرفية أو غير ها .
ونحن إذ نشير إلى القوانين المتعلقة بالمصارف نود أن نسجل عملا تم في هذا المجال في إطار اتحاد بنوك مصر عام 1987 . فقد كثرت الشكوى من عدم قيام البنوك بدفع مبالغ خطابات الضمان الصادرة منها إلى المستفيدين ، وكثيرا ما يضطر هؤلاء إلى الالتجاء إلى القضاء لنيل حقوقهم . ومن ناحية أخرى كان الآمر بإصدار الضمان يلجأ بدوره إلى القضاء طالبا منع تسييل الخطاب .
وكان ذلك يتم أحيانا بأوامر على العرائض تصدر دون حضور البنك ويفاجأ البنك بإعلان من المستفيد أن قاض يأمره بان يدفع قيمة الخطاب ، وإعلان آخر في نفس الوقت من الآمر بالإصدار ينبه عليه بأنه طبقا لقرار قاض آخر يتعين عليه ألا يدفع إلى المستفيد قيمة الخطاب فأي الأمرين ينفذه البنك ؟ وتزداد حدة المشكلة عندما يحدث ذلك بين عميل ومستفيد احدهما يقيم في دولة أخرى إذا تقدم للبنك أحكام أو أوامر متضاربة من دول مختلفة . وإذا كان المستفيد جهة حكومية فأنها تتخذ إجراءين آخرين : اولهما الشكوى الى البنك المركزي والثاني هو تهديد البنك بعدم قبول خطابات الضمان التي تصدر منه مستقبلا ودعوة السلطات إلى وقف نشاطه .
وقد عهد البنك المركزي إلى اتحاد بنوك مصر بدراسة هذه المشاكل لوضع حلول لها . وقد شكلت لجنة بالاتحاد من مديره العام ومساعده ومستشار الاتحاد وبعض الأعضاء منهم كاتب هذه السطور . وقد وجدنا أن حل هذه المشاكل يستدعي وضع مجموعة محلية مستمدة من التقاليد المصرفية السليمة .
وذلك إزاء غياب التشريع في هذا المجال حتى الآن ولكن الأمر سيعالج تشريعيا في مشروع القانون التجاري الذي يجري إعداده حاليا – ومن ناحية أخرى فان سبب حيرة البنوك وارتباك عملها هو القرارات القضائية المتضاربة . ولمنع هذا التضارب رأت اللجنة أن يتم نزع الاختصاص من يد المحاكم القضائية في هذا الموضوع وان يعهد به إلى هيئات تحكيم تشكل لفض منازعات الأطراف مجتمعين وتصفية حقوقهم جميعا في وقت واحد دون أن يسمح لأحد منهم باستصدار قرارات بعيدا عن اعين المحكمين ويتم الاتفاق على التحكيم في وثيقتين : الأولى هي طلب العميل لاستصدار خطاب ضمان فينص على انه عند الخلاف يقبل الخضوع لاختصاص هيئة التحكيم والثانية هي صك خطاب الضمان نفسه ويدرج فيه البنك على ظهره صيغة الاعراف المحلية التي اشرنا اليها ومعها صيغة شرط تحكيم مؤداه أن أي نزاع ينشأ بين المستفيد والعميل والبنك يخضع للتحكيم . وهذا الشرط يسحب الاختصاص من يد المحاكم القضائية ويكتب على وجه خطاب الضمان انه خاضع للقواعد المبينة بظهره . فاذا لم يعترض المستفيد على ذلك اعتبر قابلا لتطبيق القواعد الاعراف وشرط التحكيم .
وعند حصول نزاع بشأن خطاب الضمان يقوم الأطراف الثلاثة باختيار المحكم أو اختيار هيئة من ثلاثة محكمين . وقد يكون هذا التحكيم تحكيما حرا غير خاضع لأية منظمة تحكيم ، وقد يكون تحكيما نظامياً . وقد بحثت اللجنة عن جهة يمكن أن يتم عن طريقها هذا التحكيم ووجدت انه يمكن أن يتم عن طريق الغرفة التجارية ، ويمكن أن يتم عن طريق مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ، وقد ظهر حديثا مركز التحكيم الإسلامي بجامعة الازهر وهو يطبق بالإضافة لقواعد الشريعة الإسلامية قواعد الأمم المتحدة الخاصة بالتحكيم على إجراءات التحكيم .
وتم الاتصال فعلا بين اللجنة وبين مركز القاهرة الإقليمي الذي افاد بانه لا يقتصر على التحكيم الدولي بل يسمح نظامه باجراء التحكيم المحلي أيضا وتمت لقاءات بين الجانبين للاتفاق على رسوم التحكيم غير أن الفكرة اصطدمت بعقبة رئيسية وهي المادة 502 من قانون المرافعات المصري التي كانت تنص على وجوب تعيين أسماء المحكمين مسبقا وهو شرط لا مبرر له في الحقيقة وقد الغته معظم التشريعات الحديثة ولا توجد فائدة منه . لذلك توقف تنفيذ نظام التحكيم في خطابات الضمان إلى أن تعدل المادة 502 مرافعات أو يصدر نظام تحكيم جديد متكامل ، وهذا هو ما حدث عام 1994 حيث صدر القانون رقم 27 لسنة 1994 في شأن التحكيم في المسائل المدنية والتجارية واصبح معمولا بع اعتبارا من يوم 22 مايو 1994 وقد الغى هذا القانون المادة 502 التي كانت موضع الشكوى بل والغى كل قواعد التحكيم التي كانت موجودة في قانون المرافعات واقام نظام التحكيم على احدث الاسس الموجودة في العالم الآن .
وكان مجلس اتحاد بنوك مصر قد وافق على توصيات اللجنة بخصوص الاعراف الموحدة لخطابات الضمان وبخصوص استحداث نظام التحكيم ، وابقى تطبيق النظام الجديد برمته حتى يتم التعريف به في جميع الاوساط من خلال مؤتمر عام لمناقشة الموضوع ، ويحضره ممثلون عن البنوك وممثلون لرجال الأعمال والشركات الكبرى وممثلون عن وزارة المالية باعتبارها تمثل الجهات الحكومية فيما يتعلق بوضع وتطبيق القواعد الخاصة بالمناقصات الحكومية والمسائل الجمركية والضريبية .
وقد تسفر هذه التجربة عن صلاحية نظام التحكيم للاعمال المصرفية الأخرى مثل الاعتمادات المستندية بل أن اتحاد بنوك مصر بادر إلى عقد مؤتمرين لحث البنوك المصرية على تبني نظام التحكيم في فض المنازعات المصرفية . وبهذه المناسبة ننصح للبنوك اليمنية بان تتخذ من التحكيم أساسا لحل منازعاتها فيما بينها مع بعضها أو مع عملائها والغير .
رابعاً: اوردت المادة الثانية من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية في مصر امثلة على المجالات التي يجوز فيها التحكيم وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر فنصت على أن :
" يكون التحكيم تجاريا في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي ، عقدية كانت أو غير عقدية ، ويشمل ذلك على سبيل المثال توريد السلع أو الخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبرة الهندسية أو الفنية منح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد انابيب الغاز أو النفط وشق الطرق والانفاق واستصلاح الاراضي الزراعية وحماية البيئة واقامة المفاعلات النووية " . ونلاحظ في هذا النص أن عمليات البنوك عني بها واضع القانون كموضوع رئيسي .
الانظمة الشبيهة بالتحكيم :
هناك بعض الانظمة السابقة على التحكيم والتي تشبه ما يجري فيه ولكنها مختلفة في بعض النواحي بحيث يمكن بسهولة التمييز بينها وبينه . ومن هذه الانظمة :
أولاً: التوفيق : وهو عملية يراد بها محاولة ازالة الخلاف عن طريق اختيار شخص أو أكثر يدرسون موضوع النزاع ويتقدمون بمقترحات لازالته يعرضونها على الأطراف هذه المقترحات ليست ملزمة وقد يقبلها احد الطرفين ويرفضها الآخر ولذلك ليس لها في هذه الحالة اثر قانوني ويمكن بعد انتهاء التوفيق الالتجاء إلى التحكيم الذي يعتبر قرار المحكم فيه حكما ملزما للاطرفا وليس مجرد مقترحات . والمركز اليمني للتوفيق والتحكيم يظهر في اسمه التوفيق لابراز اهميته وانه المقدمة الطبيعية للتحكيم بل أن كثيرا من اتفاقات التحكيم تنص على إجراء التوفيق بين الطرفين قبل الدخول في التحكيم . فاذا كان هذا الاتفاق واردا بصيغة الجزم وجب إجراء التوفيق أولا وإذا قدم طلب للتحكيم وجب ايقافه حتى تستكمل مرحلة التوفيق ولا تسفر عن اتفاق بين الطرفين على نقاط الخلاف . أما إذا كان الاتفاق يذكر " أن كل نزاع لا يمكن تسويته وديا يحال إلى التحكيم" فهذه الصيغة لا تفيد ضرورة استيفاء التوفيق قبل التحكيم .
ثانياً : بدائل التحكيم : ويطلق عليها بالإنجليزية ADR ومعناها :
Alternative Dispute Resolution وهي عبارة عن وسائل توجد مراكز متخصصة لها في الخارج تحاول حل المنازعات المحلية أو الدولية عن طريق البدائل التي تقدمها للتحكيم . ومن هذه البدائل التوفيق الذي تقدم ذكره ، والبدائل التالية :
1- الوساطة : وذلك بتعيين وسيط يحاول حصر نقاط الخلاف بين الطرفين ثم يداوم الاتصال بكل طرف محاولا أن يزحزح موقفه من كل نقطة بما يقربه من الطرف الآخر حتى يلتقي الطرفان عند حل وسط يتفقان عليه.
2- الاجتماعات التنفيذية : وذلك بان تتم تهيئة اجتماع لمجلس إدارة الشركتين المتنازعتين سويا لمناقشة الخلاف وايجاد الحلول له وتعديل وجهات نظرهم لتقريبها .وقد تكون هذه الاجتماعات لمسئولين من الشركتين دون مستوى مجلس الإدارة .
3- المحاكمة المصغرة Mini Trial : وذلك بان تهيأ للطرفين المتنازعين فرصة المثول أمام محكمة افتراضية يجربان فيها الموقف الذي سيكون فيه كل منهما لو رفعت الدعوى فعلا أمام القضاء العادي أو أمام التحكيم بصورة جدية وليست افتراضية . وهذه المحاكمة تكشف لكل طرف عن نقاط الضعف في موقفه ، ونقاط القوة أو الضعف في مركز خصمه فيحاول أن يسوي الموقف معه على ضوء ذلك ، أو أن يستمر في التقاضي على بينة مما سيحدث أمام المحكمة الحقيقية .
اتفاق التحكيم :
عرفنا مما تقدم أن اتفاق التحكيم قد يكون سابقا على حصول أي نزاع ويعتبر من باب الاحتياط لما قد ينشأ مستقبلا ، وقد يكون لاحقا لحصول الخلاف وفي هذه الحالة يتعين بيان المسائل التي يشملها التحكيم بالنص عليها في هذا الاتفاق .
وقد نصت المادة (10) فقرة (1) من قانون التحكيم في مصر على أن :
" اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية " .
كما نصت المادة 15 من القرار الجمهوري رقم 22 لسنة 1992م في اليمن على انه " لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواء قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفي التحكيم قد اقاما الدعوى أمام المحكمة ويكون الاتفاق باطلا إذا لم يكن مكتوبا . ويكون الاتفاق مكتوبا إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو شرط تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة " . وعبارة القانون اليمني هنا وهي تجيز استخدام وسائل الاتصال الحديثة في الاتفاق على التحكيم فهي إذا تجيز استخدام وسائل مثل الانترنت والوسائل الالكترونية الأخرى في هذا الاتفاق .
كذلك تنص المادة 16 من قانون التحكيم على انه " يجوز أن يكون اتفاق التحكيم على شكل عقد مستقل (وثيقة التحكيم) أو على شكل بند في عقد (شرط التحكيم) وفي الحالة الاخيرة يعامل شرط التحكيم باعتباره اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى وإذا حكم ببطلان العقد ذاته أو بفسخه فانه لا يترتب على ذلك بطلان شرط التحكيم " .
وفي بعض الاحيان لا يضع الطرفان شرطا للتحكيم في عقدهما وإنما يشيران إلى وثيقة أو عقد نموذجي أو إلى لائحة احد مراكز التحكيم الدولي ، وهم يقصدون من الإشارة إلى العقد النموذجي تطبيق احكامه وخاصة شرط التحكيم الذي يكون منصوصا عليه فيه ، وهذه تعتبر إحالة للتحكيم .
ويجب دائما أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا والا كان باطلا وطريقة كتابته أن يكون مدرجا في عقد ، أو في ورقة مستقلة ، أو أن يتبادل الطرفان الرسائل أو البرقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة ويتم من خلال تبادلها التوصل إلى اتفاق تحكيم فتكتفي هذه الاوراق لإثبات انعقاد اتفاق التحكيم . والكتابة هنا شرط شكلي وضعه القانون ورتب على تخلفه البطلان ومعنى هذا أن الكتابة ليست مشترطة لمجرد الاثبات بل مشترطة لانعقاد الاتفاق على التحكيم وهذا الحكم مقرر في القانونين اليمني والمصري . وبناء عليه فانه لا يجوز في المعاملات المصرفية أن يتفق البنك مع عميله على التحكيم شفويا بل يجب أن يكون الاتفاق بالكتابة. والوضع الامثل لهذا الاتفاق أن ينص عليه البنك في جميع عقوده على النحو التالي :
- في عقد فتح الحساب الجاري ينص البنك على شرط تحكيم ويفضل أن يكون أمام المركز اليمني للتوفيق والتحكيم وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها وجود لائحة تحكيم منضبطة ودقيقة لهذا المركز ومن الصعب على الاطراف أن يتوصلوا إلى وضع لائحة مثلها لو كان التحكيم حرا .
- في طلبات فتح الاعتمادات المستندية يضع البنك شرط تحكيم يجعل علاقته بعميله خاضعة له بل انه لا يوجد ما يمنع البنك من أن يضع مثل هذا الشرط في خطاب الاعتماد المستندي ذاته فيصبح الأطراف الثلاثة : البنك والعميل والمستفيد مرتبطين بالتحكيم .
- في طلبات خطابات الضمان وصكوك خطابات الضمان يمكن أن يتبع ما ذكرناه بالنسبة للاعتمادات المستندية . ولنا هنا ملاحظة بصدد مجموعة غرفة التجارة الدولية رقم 524 الخاصة بصكوك ضمان العقود التي تحدثنا عنها في محاضرة سابقة وقدمنا اليكم ترجمة عربية لنصوصها فهذه المجموعة تجعل غرفة التجارة الدولية بصفة اجبارية جهة تحكيم للاطراف الذين يأخذون بها . وهذا النوع من التحكيم الاجباري الذي يخالف الدستور كما قالت المحكمة الدستورية العليا في مصر . ونعتقد أن الوضع كذلك في كثير من الدول الأخرى وننصح للبنوك اليمنية إذا قررت تطبيق المجموعة 524 لغرفة التجارة الدولية على ضمان من ضماناتها فانها يجب أن تستبعد منها النص الخاص بالتحكيم وان تضع مكانه التحكيم أمام مركز تحكيم اخر واقرب هذه المراكز إلى البنوك اليمنية هو المركز اليمني للتوفيق والتحكيم .
ويلاحظ أن الكتابة التي تنعقد بها العقود لا يكون لها اثر قانوني إلا إذا كانت موقعة من الأطراف سواء بامضاء أو بصمة اصبع أو خاتم . أما البرقيات ووسائل الاتصال المكتوبة ، فهي في الغالب تكون غير موقعة . وإذا كانت موقعة (كما هو الحال بالنسبة للفاكس) فليس هناك ما يؤكد أن هذا التوقيع صحيح مائة في المائة فقد يؤخذ التوقيع ويضاف على رسالة لم يعدها صاحب التوقيع وتظهر في الطرف الآخر من الفاكس المستقبل على أنها وثيقة واحدة تنسب للمرسل زوراً .
ورغم هذه المخاطر كلها وهي عدم التوقيع اصلا أو امكان عدم صحة التوقيع المرسل ، فان القانون يعتد بهذه الرسائل ويكتفي بها دليلاً على انعقاد اتفاق التحكيم . ومفاد هذا هو أن قانون التحكيم قد اجرى تعديلا في القواعد العامة بخصوص اتفاق التحكيم فلم يشترط فيه في بعض الحالات أن يكون موقعا بخط اليد ، واكتفى بان يكون متبادلا دون توقيع كما يقع في البرقيات والتلكس والانترنت طالما أن السائل في مجموعها تفيد أن هناك اتفاقا قد انعقد .
ويجب على المحكمة التي يرفع اليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبلو الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل ابدائه أي طلب أو دفاع الدعوى . وهذا الحكم مقرر في القانونين اليمني والمصري . ولا يحول رفع الدعوى المشار اليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم .
ويستفاد من ذلك أن اتفاق التحكيم يمنع المحكمة من النظر في الدعوى ويوجب عليها أن تحكم بعدم قبلوها متى دفع المدعى عليه بذلك في بداية نظر القضية وقبل أن يبدي أي طلب أو دفاع في الدعوى . أما إذا سكت عن ذلك فان المحكمة تنظر الدعوى إذ يفسر سكوته بانه نزول عن التمسك باتفاق التحكيم (انظر المادة 19 من قانون التحكيم اليمني) . وإذا كان قد عرض الأمر على المحكمين فان رفع الدعوى إلى المحكمة العادية لا يمنع المحكمين من الاستمرار فيها واصدار الحكم ، إلا إذا نزل المدعى عليه عن التمسك باتفاق التحكيم كما ذكرنا . والتحكيم المصرفي لا يختلف في هذا عن أنواع التحكيم الأخرى .
ويترتب على وجود اتفاق تحكيم انه يجوز لأي من طرفيه أن يلجأ إلى المحكمة التي كانت مختصة اصلا بنظر النزاع لتأمر باتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية اللازمة للحفاظ على حقوق الأطراف أو على الادلة التي ستقدم في النزاع أو لتفادي لحوق بعض الخسائر يطالب التدبير المؤقت أو التحفظي . ويمكن طلب ذلك سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو اثناء سيرها المادتان 18 و 14 من قانون التحكيم اليمني والمصري .
تشكيل هيئة التحكيم:
إذا وقع النزاع وأرد الأطراف البدء في التحكيم فانه يتم تشكيل هيئة للحكم في النزاع كما يلي:
1) تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر. فإذا لم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة. وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً، أما التحكيم بين الأزواج فيكون ثنائيا.
2) لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره ولا يشترط أن يكون المحكم من جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك. ويكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابةً ، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته .
3) الأصل أن يتفق الطرفان على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم ، فإذا لم يتفقا أتبعت الخطوات الآتية:
أ) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة التي كانت مختصة أصلاً بنظر النزاع اختياره بناءً على طلب أحد الطرفين .
ب) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً ، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث. فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر ، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرهما ، تولت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع اختياره بناءً على طلب أحد الطرفين. وتكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكيم. وتسرى هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين. وتراعى المحكمة في اختيارها الشروط التي يتطلبها القانون وتلك التي اتفاق عليها الطرفان . وهذه هي نفس الأحكام في كل من القانون اليمنى والقانون المصري وتطبق على المنازعات المصرفية في كل من الدولتين .
4) إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها أو انقطع عن أدائها بما يؤدى إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم ولم يتنح ولم يتفق الطرفان على عزله ، جاز للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع أن تأمر بإنهاء مهمته بناءً على طلب أي من الطرفين. وإذا انتهت مهمة المحكم بالحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأي سبب آخر وجب تعيين بديل له (المادتان 20 ، 21 من قانون التحكيم المصري ). وفى القانون اليمنى الحكم هو أما أن يتفق الطرفان على عزل هذا المحكم أو أن يقدم الطرف ذو المصلحة طلبا إلي لجنة التحكيم أو المحكمة المختصة لعزله ( المادة 25( .
5) إذا كان تعيين المحكمين يتم عن طريق منظمة دائمة للتحكيم فانه يتبع ما ينص عليه نظامها بصدد اختيار المحكمين .
رد المحكم:
المفروض في المحكم أنه شخص محايد لا ينحاز إلى أحد الطرفين لصلة بينه وبينه كصداقة أو قرابة أو رابطة عمل ، ولا ينحاز ضد الطرف الآخر لعداوة أو رغبة في الانتقام منه. والمفروض أيضاً أنه إذا وجد لديه ما ينال من حياده أن يخطر به الأطراف قبل تعيينه ذاكراً الوقائع التي يترتب عليها الشك في حيدته بين الأطراف واستقلاله عنهم. فإذا قبله الأطراف محكماً رغم ذلك فلا يجوز رده بعد ذلك .
والرد معناه طلب تنحية المحكم عن نظر الدعوى وتعيين محكم آخر بدله وذلك لظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله. ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين . ويجوز في القانون اليمنى رد المحكم لنفس الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم (المادة 23(
ويقدم طلب الرد في القانون المصري كتابةً إلى هيئة التحكيم فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة لرد فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب. و لا يجوز أن يطلب ذات الطرف رد المحكم مرتين في ذات التحكيم. والقرار الذي يصدر من هيئة التحكيم برفض طلب الرد يجوز الطعن فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانه به ويكون هذا الطعن أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويكون حكمها غير قابل للطعن بأي طريق . أما في القانون اليمنى فان الطلب يقدم إلي لجنة التحكيم أو إلي المحكمة المختصة خلال أسبوع واحد من يوم إخطار طالب الرد بتعيين المحكم أو من يوم علمه بالظروف المبررة للرد وتفصل المحكمة في الطلب خلال أسبوع واحد على وجه الاستعجال (المادة 24) .
أما تنحية المحكم عن طريق عزله فتتم باتفاق الطرفين .
إجراءات التحكيم:
من حق طرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم دون أن يتقيدوا في ذلك بقواعد قانون المرافعات إلا ما تعلق منها بالنظام العام .
وللطرفين أيضاً أن يختارا إخضاع الإجراءات للقواعد النافذة في أية منظمة أو مركز تحكيم في مصر أو خارجها ، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم ، مع مراعاة أحكام قانون التحكيم ، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة (المادة 25 من قانون التحكيم المصر ى ).
ويعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة متكاملة لعرض دعواه (المادتان 33 و 26 من قوانين التحكيم في اليمن ومصر) .
وتبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعى ما لم يتفق الطرفان على موعد آخر (المادتان 34 و 27 من قوانين التحكيم في اليمن ومصر) .
والمفروض في جلسات التحكيم أن تكون سرية لا يحضرها إلا الأطراف وممثلوها والمحكمون ومن يستدعى الأمر وجودهم مثل الشهود. ولا يؤدى الشهود اليمين عند الإدلاء بالشهادة لأن هذا يكون أمام القضاء فقط. ويمكن لهيئة التحكيم أن تنتدب خبيراً أو أكثر لإعداد تقرير عن المسائل الفنية ويسمح للأطراف بمناقشة تقرير الخبير وقد يستدعى الأمر استدعاء الخبير لمناقشته أمام المحكمين .
إصدار الحكم في التحكيم:
هناك جانبان في تحديد القانون الذي يطبق على القضية: جانب القواعد الإجرائية التي يسير عليها المحكمون أثناء الجلسات ونظر النزاع ، وجانب القواعد الموضوعية التي تطبق على موضوع العقد أو النزاع. وفى كلا الجانبين للأطراف أن يتفقوا على القواعد التي يتبعها المحكمون ، أما في التحكيم المحلى فان الحرية متروكة للأطراف في مجال الإجراءات ومقيدة في مجال القانون الموضوعي في القانون اليمنى بأن يطبق المحكم أحكام القوانين اليمنية ( المادة45).
وقبل إصدار الحكم تتم المداولة بين المحكمين إذا تعددوا حول مضمون الحكم الذي سيصدرونه. وقد يصدر الحكم بالإجماع ، وقد يصدر بأغلبية اثنين ضد واحد .
غير أن الآراء قد تتشعب في هيئة التحكيم الثلاثية إلى ثلاثة آراء بمعنى أن رئيس الهيئة يكون له رأى مخالف للعضوين ، وفى هذه الحالة يقضى نظام غرفة التجارة الدولية بالنسبة إلى التحكيم الذي يجرى أمامها بأن يكون القرار الذي يصدر هو ما يراه الرئيس ولا عبرة برأي كل من العضوين وهذا هو حكم المادة 47 من قانون التحكيم اليمنى وان كان يسمح للأطراف بأن يتفقوا على خلاف ذلك . أما في القانون المصري فان الحكم يجب أن يصدر بالأغلبية ومعنى هذا أن ينضم الرئيس إلى أحد العضوين لتكوين أغلبية. وقد يظن من هذا أن رأى الرئيس الشخصي – إذا كان له رأى يخالف العضوين – لا قيمة له وأن عليه أن يعدله ليكون مطابقاً لما يراه أحد العضوين، ولكن هذا الظن ليس صحيحاً فالرئيس يستطيع أن يفرض رأيه على العضوين في معظم الحالات بالطريقة التي نضعها في صورة مثال:
لنفرض أن التعويض المطلوب في القضية هو عشرة ملايين جنيه وأن المدعى عليه يرى عدم دفع أي تعويض. وتبنى كل محكم مطالب الطرف الذي عينه. ولنفرض أن الرئيس يرى أن يمنح المدعى تعويضاً قدره خمسة ملايين جنيه فقط. فهناك ثلاثة آراء: عضو اليمين يرى الحكم بعشرة ملايين . وعضو اليسار يرى رفض التعويض بالكلية والرئيس يرى الحكم بخمسة ملايين. فكيف يمكن أن يفرض الرئيس رأيه ؟ !
يقول الرئيس لعضو اليمين في المداولة بينهما – بعيداً عن عضو اليسار – أنني أرى الحكم بخمسة ملايين فقط وإذا أصررت أنت على الحكم بعشرة ملايين فليس أمامي إلا الانضمام للمحكم الآخر فلا نعطى المدعى شيئاً. إزاء ذلك يضطر عضو اليمين المعين عن المدعى إلى قبول الخمسة ملايين فهي أفضل من رفض التعويض تماماً. ثم يخلو الرئيس بعضو اليسار المعين عن المدعى عليه ويقول له أنا رأيي أن نحكم للمدعى بتعويض خمسة ملايين. وإذا أصررت أنت على عدم منحهم أي تعويض فليس أمامي إلا الانضمام للمحكم الآخر وأحكم لهم بعشرة ملايين: فيضطر هذا المحكم إلى قبول الحكم بالخمسة ملايين لأنه أفضل من الحكم على المدعى عليه بالعشرة ملايين. وهكذا يكون الرئيس قد فرض رأيه على الجانبين معاً .
والأصل في مصر أن تكون أحكام المحكمين مسببة أي تكتب لها أسباب وحيثيات مثل أحكام القضاء إلا إذا طلب الأطراف عدم وضع أسباب للحكم. وإذا صدر الحكم بأغلبية اثنين ضد واحد ، فان الأسباب التي تضعها الأغلبية (الاثنين) وتوقع عليها ويذكران في الحكم أن المحكم الثالث لم يوقع ويوضحان أسباب عدم توقيعه (المادة 42) .
والواقع أنه كان من الخطأ أن يشترط قانون التحكيم الجديد هذا الشرط ، لان ذكر رأى المحكم الآخر المخالف في الحكم من شأن يضعف من قوة هذا الحكم وأن يشجع الطرف الذي يهمه هذا الرأي على الطعن في الحكم مستنداً إلى هذه الأسباب مما يفتح الباب لاستمرار المنازعات وعدم حسمها عن طريق التحكيم. وكان الأفضل ذكر نقص التوقيع المخالف دون بيان أسباب عدم توقيعه .
ويجب أن يصدر حكم المحكمين خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان وإلا فقدوا سلطتهم في الفصل في النزاع ويرجع الاختصاص إلى المحاكم العادية.
وإذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بالتزوير في ورقة قدمت لها أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن فعل جنائي آخر جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في نظر موضوع النزاع إذا رأت أن الفصل في هذه المسألة أو في تزوير الورقة أو في الفعل الجنائي الآخر ليس لازماً للفصل في موضوع النزاع. أما إذا كان الفصل في هذه المسائل الأولية يتوقف عليه الفصل في موضوع النزاع فان المحكمين يوقفون الإجراءات حتى يصدر حكم نهائي في هذا الشأن ، ويترتب على ذلك وقف سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم (المادة 46 من قانون التحكيم المصري ) .
ويتضمن حكم المحكمين بالإضافة إلى الفصل في طلبات الخصوم الفصل في مسألة مصاريف التحكيم وهذه مسألة تحتاج إلى بعض الإيضاح .
فإذا كان التحكيم يجرى أمام منظمة من منظمات التحكيم ، فأن لائحة هذه المنظمة تتبع ، وعادةً ما يكون نظام المصاريف محدداً بواسطتها وتدفع المصروفات الإدارية للتحكيم وأتعاب المحكمين إلى المنظمة وتتولى هي صرف ما يخص المحكمين. ويراعى في تقدير أتعاب المحكمين مدى تعقيد القضية أو بساطتها ، وقيمة النزاع المالية ، وعدد الساعات التي بذلها المحكمون في عملهم موزعة على الأيام ، وتجرى غرفة التجارة الدولية على قاعدة 40/30/30 في توزيع الأتعاب. ومعنى هذه القاعدة أن رئيس هيئة التحكيم يحصل على 40% من جملة الأتعاب وكل من العضوين يحصل على 30% والسبب في تمييز الرئيس عن العضوين أن الرئيس يحمل عبء إعداد المكاتبات ومراسلة الأطراف ومحاميهم للاتفاق على مواعيد الجلسات وهذا يستغرق من وقته ومن ماله ما يستحق التعويض عنه. وبالإضافة إلى ذلك فان الرئيس كثيراً ما يكون هو الذي كتب مسودة الحكم والأسباب وهذا سبب آخر لتمييزه ، وقد تعدل النسبة المشار إليها لذلك إلى 50/25/25 أو إلى نسبة أعلى لصالح الرئيس تصل إلى 60/20/20. ولكن الغالب هو القاعدة الأولى (40/30/30). على أنه إذا كان الشخص الذي كتب مسودة الحكم والأسباب هو أحد العضوين فان هذا العضو يستحق أن تزداد أتعابه لتوازى أتعاب الرئيس أو قد تزيد عليها ، وقد يهبط الرئيس بسبب ذلك إلى مستوى أحد الأعضاء فيكون لكاتب الأسباب 40% وللرئيس والعضو الآخر 30% ، وقد يفاضل بين الرئيس والعضو الآخر يجعل الرئيس 35% والعضو الثالث 25%. وهذه مسألة موازنة بين جهد كل محكم تقوم بها محكمة التحكيم العليا بغرفة التجارة الدولية (التي تشرفت بعضويتها من 1985 إلى 1991) ويختلف التقدير فيها بالضرورة من قضية إلى أخرى .
وتضاف إلى أتعاب المحكمين نفقات السفر والإقامة وعقد الجلسات وطباعة الأوراق وغير ذلك. وتجرى غرفة التجارة الدولية على أن تدفع أجرة سفر المحكم بالطائرة بالدرجة الأولى إذا كانت الرحلة تستغرق خمس ساعات ذهاباً فأكثر ، وأن تدفعها بالدرجة السياحية إن كانت أقل ، ومن ناحية الإقامة فإنها تصرف الفواتير الفعلية أو مبلغ مائتي دولار عن كل ليلة بالفندق وتنظر دورياً في زيادة هذا المبلغ لارتفاع الأسعار .
وإذا كان التحكيم يجرى تحكيماً حراً أي غير تابع لمنظمة تحكيم ، فان الأطراف يتفقون مع المحكمين مقدماً على أتعابهم التي سيؤدونها إليهم ، أو يفوضون إليهم تقدير هذه الأتعاب في الحكم وقد يدفعون إليهم مبلغاً تحت الحساب ويؤخرون الباقي لما بعد صدور الحكم. وفى هذه الحالة يعانى المحكم من عدم سداد هذا الجزء المؤخر بسبب أن الطرف الملتزم به إذا شعر أن الحكم سيصدر ضده فانه يمتنع عن استلام الحكم وعن دفع باقي أتعاب المحكم. لذلك يفضل المحكم أن يحصل على أتعابه كاملة قبل إصدار الحكم حتى يأمن هذه المواقف .
بقى جانب آخر من المصاريف وهو: من الطرفين يتحمل مصاريف منظمة التحكيم والأتعاب ومصاريف أتعاب المحامين والأسعار والإقامة .. الخ ؟
هذه المسألة يفصل فيها المحكمون والقاعدة أن الطرف الذي خسر الدعوى يتحمل بالمصاريف كلها. ولكن عادةً لا يوجد خاسر للدعوى بصفة مطلقة. بل الغالب أن يكون المحكمون قد حكموا لكل طرف بجزء من طلباته كثير أو قليل. ولذلك توزع في هذه الحالات مصاريف الدعوى بنسبة ؟؟؟ يأخذه كل طرف من طلباته. فإذا كان أحد الطرفين قد حكم لصالحه بما نسبته 80% من طلباته فهذا يعنى أن الطرف الآخر قد خسر الدعوى بنسبة 80% فيتحمل 80% من المصاريف ويتحمل من حكم لصالحه بنسبة 20% من المصاريف. وكثيراً ما تستبعد هيئات التحكيم أتعاب المحامين والمستشارين الذين استعان بهم الأطراف ويقرون توزيع المصاريف الأخرى بالنسبة التي يرونها على أن يتحمل كل طرف أتعاب محاميه ومستشاريه. والمستشارون هنا يختلون عن المحكمين وليسوا منهم فالمستشارون يكونون خاصين بإعطاء الرأي لطرف معين ولا صلة لهم بالحكم في القضية .