شروط وآثار حيازة المال غير المباح مع تقادم الزمان في الفقه الإسلامي والقانون.
(ملحوظة: هذا البحث منشور في المجلة القضائية لسنة 2008م)
الباحث : مولانا/ الطيب الفكـي موسـى قاضي المحكمة العليا
معنى الحيازة في اللغة:
جاءت الحيازة في اللغة بمعنى الاستحقاق ، فإذا حاز شخص أرضاً وبين حدودها يكون مستحقاً لها دون غيره وجاءت بمعنى الجمع والضم فكل من ضم شيئاً إلـى نفسه فقد حازه . وجاءت بمعنى التنحية والإنفراد وجاءت بمعنى الإحراز ([1]).
معنى الحيازة في اصطلاح الفقهاء:
معنى الحيازة في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه في اللغة فجمهور الفقهاء يعبرون عن الحيازة بوضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه خاصة عندما يتحدثون عن أثر اليد في الإثبات من حيث التفريق بين المدعي والمدعى عليه فيجعلون واضع اليد مدعى عليه لأن الظاهر يشهد له بوضع يده ويجعلون الطرف الآخر مدعياً لأن الظاهر لا يشهد له ، ويرجحون بينة ذي اليد عندما لا يوجد مرجح غيرها عند التكافؤ . أما التعبير بالحيازة فلا يتعرض إليه جمهور الفقهاء إلا في حالات قليلة ومن ذلك أن الأحناف عندما يتحدثون عن شروط الموهوب يشترطون أن يكون محوزاً أي غير مشاع فيما يقسم لأن هبة المشاع فيما لا يقسم لا تجوز عندهم ([2]).
وأكثر الفقهاء استعمالاً لكلمة الحيازة المالكية خاصة عندما يتحدثون عن الحيازة وتقادم الزمان وقد فسروا هذه الحيازة بوضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه ([3])0
معنى الحيازة في القانون:
تنص المادة 631(1) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م على الآتي : ( الحيازة سلطة فعلية يباشرها الحائز بنفسه أو بوساطة غيره على شيء مادي بحيث تكون في مظهرها الخارجي وفي قصد الحائز مزاولة للملكية أو لحق عيني آخر.
وعليه فإن الحيازة في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء وفي القانون تعني وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه سواء كان هذا الشيء مالاً مباحاً أو غير مباح. وحيازة المال المباح يطلق عليها الفقهاء إحراز المباحات وإحياء الأرض الموات . أما حيازة المال غير المباح فهي حيازة المال الذي تعلق به حق الغير سواء كان ذلك الغير مالكاً أو منتفعاً . فالحيازة إن كانت مستندة على حق يعترف به الشارع للحائز كحيازة المالك والمنتفع تكون حيازة محترمة وتجد الحماية من الشارع ولا يجوز التعدي عليها . أما الحيازة التي لا تستند لحق يعترف به الشارع للحائز كحيازة السارق المغتصب فهي حيازة غير محترمة ولا تجد الحماية من الشارع بل تجد منه العقوبة الرادعة.
ولكن هنالك نوع من الحيازة لا يكون فيها الحائز مالكاً للمال المحاز وليس له سند على تملكه أو الانتفاع به ومع ذلك يقوم بحيازته بحسن نية معتقداً أنه مال مباح ويظل حائزاً له السنين الطوال ويتصرف فيه تصرف المالك فيما يملك ويكون لهذا المال مالك حقيقي يرى هذا الحائز يحوز ماله ويتصرف فيه السنين الطويلة تصرف المالك فيما يملك ولا يعترض على هذا التصرف وليس له عذر شرعي يمنعـه من الاعتراض من غيبة بعيدة أو خوف أو إكراه أو صغر أو جنون ، فهل من حقه بعد هذا الزمان الطويل أن يطالبه بهذا المال ؟ وهل تسمع دعـواه أم لا تسمع ؟ وهل يكسب الحائز هـذا المال بحيازتـه الطويلة ؟
للإجابة على هذه الأسئلة وبالرجوع لأقوال الفقهاء نجد أنهم لم يدرجوا الحيازة وتقادم الزمان ضمن أسباب كسب الملكية المتفق عليها لأنهم قسموا أسباب كسب الملكية إلى ثلاثة أقسام :- القسم الأول : الأسباب المنشئة للملكية وهي إحراز الأموال المباحة والقسم الثاني الأسباب الناقلة للملكية وتشمل العقود الناقلة للملكية من بيع وهبة ونحوها 0 والقسم الثالث : أسباب منشؤها خلافة الإنسان لغيره في الملك وتشمل الميراث والوصية0
أما حيازة المال غير المباح مع تقادم الزمان فقد تعرض لها فقهاء الحنفية والمالكية والأباضية بالبحث والتحليل ووضعوا لها شروطاً كثيرة ورتبوا عليها أثاراً معينة . وقـد جعل الحنفية الحيازة تقادم الزمان مانعة مـن سماع الدعوى أي تمنع المالك من سماع الدعـوى بعد اكتمال شروطهـا ولا تكسب الحائز الملكية ([4]).
أما المالكية فقد جعلوا للحيازة وتقادم الزمان شروطاً كثيرة ورتبوا على اكتمالها عدم سماع الدعوى وأنها دالة على الملكية للحائز ويرى بعضهم أنها توجب الملك للحائز إذا ادعى الملك وحلف اليمين . واستدلوا على ذلك بالأدلة النقلية والعقلية ، وقد أوردوا الحديث المرسل الذي رواه سعيد بن المسيب وزيد ابن أسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حاز شيئاً عشر سنين فهو له " ([5]). واستدلوا كذلك بالعرف والعادة ، لأن العرف والعادة يقضيان بأن من يترك ماله في يد غيره يتصرف فيه تصرف المالك المدة الطويلة وهو حاضر ساكت ولا عذر له في المطالبة بحقه فإن ذلك دليل على عدم أحقيته لهذا المال ودليل على صدق الحائز في ادعائه الملك ، وذلك لأن العادة جرت على أن الإنسـان لا يسكت من المطالبة بحقه تلك المدة إلا لعذر شرعي . فإن سكت بلا عذر فإن دعـواه يكذبها العرف وكل دعـوى يكذبها العرف تكون غير مسموعة ([6]).
فقهاء الأباضية يتفقون مع المالكية في أن الحيازة المكتملة الشروط تقطع حجة المدعي وتمنعه من سماع الدعوى وتوجب الملك للحائز 0 وشروط الحيازة عندهم لا تختلف عن شروط المالكية إلا في القليل 0 واستدلوا على حكم الحيازة بحديث مرفوع رواه الربيع بن حبيب نصه كما يلي: (( أبوعبيدة عن جابر ابن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم )) ( من حاز أرضاً وعمرها عشر سنين والخصم حاضر لا يغير ولا ينكر فهي للذي حازها ولا حجة للخصم فيها ) ([7]) 0
ويرى فقهاء الأباضية أن العمل بنظام الحيازة يقوم على أسباب عملية تتعلق باستقرار المعاملات بين الناس وهي أنه لا ينبغي أن يفتح الباب للناس لإثارة دعاوى ضد أناس حازوا أموالاً منذ زمن بعيد توارثوها عن أبائهم وأجدادهم مع حضور من يدعونها الآن وعـدم اعتراضهم وإنكارهـم طيلة تلك المـدة بلا عذر شرعي وذلك أنه بطول الزمان يموت الشهود وتضيع الوثائق ، وعليه يتعين قفل هذا الباب لتبقى الأموال بيد حائزيها بعد أن يحلفوا اليمين على أن لا حق للخصوم فيها ويستحقها الحائزون بهذه المدة الطويلة ([8])0
حكم الحيازة وتقادم الزمان للمال غير المباح في القانون:
اعتبر قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م الحيازة وتقادم الزمان سبباً من أسباب كسب الملكية في الباب التاسع عشر منه وخصص لذلك الفصل الثالث وعنوانه كسب الملكية بالحيازة وأورد شروط وحكم الحيازة في المادة (649) وجعل عنوانها التقادم المكسب للملكية 0 ولكن نص هـذه المادة لم يرد فيه أن الحيازة تكسب الملكية ، بل نص على أنها مانعة من سماع الدعوى0
وتنص المادة (649)على ما يلي:
1- من حاز بحسن نية وسبب صحيح منقولاً أو عقاراً أو حقاً عينياً على منقول أو عقار باعتباره ملكاً له دون انقطاع لمدة عشر سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي.
2- " يجب توافر حسن النية طوال مدة الحيازة ".
3- " لأغراض البند (1) يعني السبب الصحيح:
(أ ) الاستيلاء على الأراضي الموات.
(ب) انتقال الملك بالإرث أو الوصية.
(ج) الهبة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض.
(د ) البيع الرسمي أو العرفي.
وتنص المادة (635) على ما يلي :
" إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب ".
من هاتين المادتين يتضح أن للحيازة ثمانية شروط هي كما يلي:
1- حسن النية
2- السبب الصحيح
3- إدعاء الحائز ملكية الشيء المحاز
4- أن تتم الحيازة علنية لا خفاء فيها
5- أن تكون الحيازة واضحة لا لبس فيها
6- أن تتم الحيازة بلا إكراه
7- استمرار الحيازة عشر سنوات دون انقطاع
8- سكوت المدعي عن المطالبة بحقه بلا عذر .
وسوف أتكلم عن كل شرط من هذه الشروط بإيجاز كما يلي:
الشرط الأول : حسن النية :
يشترط القانون لصحة الحيازة أن يكون الحائز حسن النية وقد عرفت المادة (637) حسن النية بالآتي :
1- يعتبر الحائز حسن النية إذا كان يجهل أنه يعتدي عل حق الغير إلا إذا كان الجهل ناشئاً عن خطأ جسيم.
2- حسن النية يفترض ما لم يقم الدليل على العكس أو ينص القانون على خلاف ذلك.
وتنص الفقرة الثانية من المادة (649) على الآتي :
" يجب توافر حسن النية طوال مدة الحيازة ".
من هذه النصوص يتضح أن حسن النية هو جهل الحائز أنه يعتدي على حق الغير أي أنه حين استيلائه على الشيء المحاز لم يكن يعلـم أنه ملك لأحد ، بل يعتقد أنه ملكه إلا إذا بنى اعتقاده هذا على خطأ جسيم .
تقابل المادة (965) من القانون المدني المصري.
يقول الدكتور السنهوري في كتابه الوسيط ج 9 ص 865 في شرح هذه المادة ما يلي :
" ومتى جهل الحائز أنه يعتدي على حق الغير فإنه يعتبر في الأصل حائزاً حسن النية ، ومع ذلك قد يكون في جهله أنه يعتدي على حق الغير ارتكب خطأ جسيماً فقد يكون في شرائه العين من غير المالك مثلاً في استطاعته العلم بحقيقة الأمر لو أنه بذل أقل جهد في التحري عنه ، ومع ذلك يقدم على الشراء في رعونة ودون مبالاة ، فإذا حاز العين التي اشتراها من غير المالك فإنه يكون قد ارتكب خطأ جسيماً في جهله أنه بحيازته هذه يتعدى على حق الغير ، ذلك أن الخطأ الجسيم ملحق بسوء النية فسوء النية أمر عسير الإثبات أو هو حق يتعلق بالنوايا الخفية فيؤخذ الخطأ الجسيم قرينة عليه وتكون القرينة غير قابلة لإثبات العكس.
وقد عرفت المادة (1176) من القانون المدني الأردني حسن النية بالآتي:
" يعد حسن النية من يحوز الشيء وهو يجهل أنه يعتدي على حق الغير ويفترض حسن النية ما لم يقم الدليل على غيره يلاحظ أن القانون الأردني لم يعتد بالخطأ الجسيم كما فعل المشرعان السوداني والمصري واكتفى بجهل الحائز بأنه يتعدى على حق الغير ، ونرى أن ما ذهب إليه القانون الأردني أصوب لأن القانون أتاح للمدعي إثبات أن الحائز كان سيئ النية في حيازته وكان الواجب أن يترك إثبات الخطأ الجسيم لأدلة المدعي على سوء نية الحائز.
يشترط القانون توافر حسن النية طوال مدة الحيازة وهذا يعني أن الحائز إذا علم فـي أي وقت أثناء مدة الحيازة أنه يحوز مال غيره يعتبر سيئ النية ولا تنفعه الحيازة بعـد ذلك ولو طال أمدها 0 والقانون السوداني في هذه الجزئيـة يختلف مع القانون المصري إذ تنص المادة (969) منه علـى الآتي: [ 1- لا يشترط توافر حسن النية إلا وقت تلقي الحق ]0 فالقانون المصري يعتبر الحائز حسن النية ولو علم أنه يعتدي على حق الغير بعد مدة قصيرة من حيازته التي كان يجهل فيها أنه يتعدى على حق الغير0 فلا يشترط عنده توافر حسن النية طوال مدة الحيازة أنظر في ذلك الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 1110 ].
ونرى أن ما ذهب إليه القانون السوداني من اشتراط توافر حسن النية طيلة مدة الحيازة سديد وذلك لأن الحائز إذا علم أنه يتعدى على حق الغير لا ينبغي أن يكون حسن النية فقط عند تلقي الحق مع علمه ببطلان سنده بعد العقد لكتمانه الحق بعد ظهوره.
الشرط الثاني: السبب الصحيح:
يشترط القانون في الحائز لكي تكون حيازته صحيحة أن يكون له سبب صحيح تلقى به هذا الحق ، وقد فسرت الفقرة الثالثة من المادة (649) السبب الصحيح بما يلي :
(أ ) الاستيلاء على الأراضي الموات.
(ب) انتقال الملك بالإرث أو الوصية .
(ج) الهبة بين الأحياء بعوض وبغير عوض.
(د) البيع الرسمي أو العرفي.
ويلاحظ أن هذه الأسباب التي ذكرت في هذه المادة هي نفسها أسباب كسب الملكية التي تكسب بها الأموال 0 فإذا تمسكنا بظاهر النص واعتبرنا أن الحائز قد حاز بواحد من هذه الأسباب المذكورة أعلاه فلا يكون هنالك معنى لوجود الحيازة والتقادم ، لأن هذه الأسباب وحدها كافية لاكتساب الحائز الملكية دون حاجة لحيازة ولا تقادم ما دام هذا السبب الصحيح صدر للحائز من المالك الحقيقي كما يفهم من ظاهر النص.
ولذلك أرى أنه لا بد من تصحيح هذا النص ليتلاءم مع الحكمة التي أوجبت العمل بالحيازة والتقادم كسبب من أسباب كسب الملكية 0 ولا يمكن تصحيح ذلك إلا إذا جعل السبب الصحيح تصرفاً قانونياً صدر للحائز من غير المالك الحقيقي وظن الحائز بحسن نية أن هذا التصرف صدر من المالك الحقيقي وظل على هذا الظن حائزاً له حتى إنقضاء مدة الحيازة ‘ والمالك الحقيقي حاضر يراه يحوز ماله ولا يعترض بلا عذر شرعي ، ففي هذه الحالة يكون هنالك مبرر لمنع سماع دعوى المدعي.
في حقيقة الأمـر أن القانون السوداني اقتبس معنى السبب الصحيح من القانون المصري ، وبرجوعنا للقانون المصري اتضح لنا أنه جعل التقادم المكسب للملكية نوعين – النوع الأول هو التقادم الطويل ويسري على العقار و المنقول وبه يكسب الحائز ملكية الشيء المحاز إذا استمرت حيازته خمس عشره سنه ، سواء كان حسن النية أو سيئها له سبب صحيح لهذه الحيازة أم لا وقد نصت على ذلك المادة (968) كما يلي : " من حاز منقولاً أو عقاراً دون أن يكون مالكاً له ، أو حاز حقاً عينياً على منقول أو عقار دون أن يكون مالكاً له ، أو حاز حقاً عينيناً على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة "، والنوع الثاني هو التقادم القصير ومدته خمس سنوات ولا ينطبق حكم هذا التقادم إلا على العقار وذلك لأن حائز المنقول إذا كان له سبب صحيح وكان حسن النية فإنه يكسب ملكية المنقول في الحال دون حاجة إلى تقادم استناداً لقاعدة ( الحيازة في المنقول سند الملكية ) أما العقار فلا بد فيه مع حسن النية والسبب الصحيح أن تمضي على حيازته خمس سنوات لتكسبه الملكية كما تنص على ذلك المادة (969) من القانون المدني المصري 0 وقد عرفت هذه المادة السبب الصحيح بأنه سند يصدر من شخص لا يكون مالكاً للشيء أو صاحباً للحق الذي يراد كسبه بالتقادم ويجب أن يكون مسجلاً طبقاً للقانون ، من هذا يتضح أن السبب الصحيح في القانون المصري هو تصرف قانوني ناقل للملكية كالبيع والوصية صادر من شخص غير مالك للشيء المحاز أو صاحب حق عليه ويجب أن يكون هذا السبب مسجلاً ، ويتعاقد الحائز مع من قدم إليه هذا السند باعتباره مالكاً للعقار أو على حق عيني عليه وهو حسن النية فـي هـذا التعاقد وتستمر حيازته خمس سنوات . وحماية لهذا الحائز حسن النية شرع التقادم القصير ليكسب بموجبه الشيء المحاز بعد مضي هذه المدة ( أنظر في ذلك الوسيط للسنهوري ج 9 ص 1084).
ولذلك ينبغي تفسير السبب الصحيح في القانون السوداني كما فسره القانون المصري حماية للحائز حسن النية.
الشرط الثالث: إدعاء الحائز ملكية الشيء المحاز:
يشترط قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م لصحة الحيازة أن يدعي الحائز ملكية الشيء المحاز يفهم ذلك من نص الفقرة الأولى من المادة (649) التي جاء بها ( باعتباره ملكاً له ) فهو عند حيازته يعتقد أنه المالك للشيء غير معتد على حق الغير 0 أما إذا اعتمد على مجرد الحيازة دون إدعاء الملكية فلا تفيده الحيازة مهما طال أمدها0
يقابل هذا الشرط نص المادة (1181) من القانون الأردني والتي يشترط ‘ إدعاء الحائز ملكية الشيء المحاز 0 أما القانون المصري فلم يشترط إدعاء الحائز الملكية بل على العكس من ذلك فقد نص صراحة في المادة (968) على أن الحائز الذي يحوز مالاً مملوكاً لغيره مدة خمسة عشرة عاماً يكسب ملكية هذا المال حتى ولو كان يعلم أنه مملوك لغيره فلا يوجد شرط بجانب الحيازة إلا استمرارها دون انقطاع خمس عشرة سنة.
وقد اقتبس القانون السوداني شرط إدعاء الحائز الملكية من مذهب المالكية والأباضية الذين لا يعتدون بالحيازة إلا إذا ادعى الحائز ملكية الشيء المحاز ولا يفيد الحائز اعتماده على مجرد الحيازة مهما طال الزمان كما لم يعتدوا بحيازة من يعلم أن المال المحاز ليس ماله وأنه دخله بإجارة أو إعارة أو غصب وما شابه ذلك.
وعليه يكون قانون المعاملات المدنية قد اتفق مع فقهاء المالكية والأباضية فيما ذهبا إليه من اشتراط إدعاء الحائز ملكية الشيء المحاز 0 وهو شرط ينبغي اعتباره والاعتداد به حتى لا يفتح المجال للمعتدين والمغتصبين للاعتداء على أموال الناس ووضع أيديهم عليها مع علمهم بأنها مملوكة لغيرهم والتمسك بتقادم الحيازة لكسبها بها.
الشرط الرابع: إنتفاء الإكراه والغصب:
يشترط القانون لصحة الحيازة أن تتم بلا إكراه ولا تعد ولا غصب من الحائز فإذا استولى عليها بالإكراه أو التعدي فلا تفيده مهما طال زمانها وقد نصت على ذلك المادة (635) 0
تقابل هذه المادة / المادة (949) من القانون المدني المصري 0 يقول الدكتور السنهوري في شرح هذه المادة ما يلي : "وتكون الحيازة معيبة بعيب الإكراه أو عدم الهدوء إذا حصل عليها صاحبها بالقوة أو بالتهديد وبقي محتفظاً بها دون أن تنقطع القوة أو التهديد الذي حصل عليها به 0 فما دام قد حصل عليها بهذا الوجه فإن حيازته تكون مشوبة بعيب الإكراه ما دامت القوة أو التهديد باقياً لم يتقطع " ([9]) وتقابل المادة (1172) من القانون المدني الأردني 0
وفقهاء المالكية والأحناف والأباضية لا يعتدون بالحيازة التي تتم عن طريق الإكراه والتعدي ويعبر عن ذلك فقهاء المالكية بخوف المحوز عليه من سطوة الحاكم يقول ابن فرحون : ( ويشترط في الحيازة أن يكون المحوز عليه غير خائف من الحائز )([10])0
ويقول ابن عابدين ( في جامع الفتوى عن فتاوي العتابي قال المتأخرون من أهل القبول : لا تسمع الدعوى بعد ست وثلاثين سنة إلا أن يكون المدعي غائباً أو صبياً أو مجنوناً وليس له ولي أو المدعى عليه أميراً جائراً ) ([11])0
ويقول شارح كتاب النيل : " لا تجوز الحيازة فيما كان أصله أمانة أو ما كان أصله تعديه ) ([12])0
الشرط الخامس: أن تكون الحيازة علنية:
يشترط القانون لصحة الحيازة أن يحوز الحائز المال علناً بلا خفاء بحيث يشاهده عامة الناس يتصرف فيه تصرف المالك ولا يعترض المالك الحقيقي على هذه الحيازة مع قدرته على الاعتراض وعدم العذر الشرعي في ذلك0
أما إذا كانت حيازة الحائز خفية كمن حاز جزءاً من أرض جاره الملاصقة لأرضه خفية دون أن يشعر الجار بهذا التعدي فإن حيازة الحائز في هذه الحالة تكون معيبة بعيب الخفاء ولا يترتب عليها أثر مهما طال الزمان ، كنص المادة (635)0
تقابل هذه المادة / المادة (1946) من القانون المدني المصري والمادة (1172) من القانون المدني الأردني.
تعرض فقهـاء المالكية والأباضية لهذا الشرط تحت عنوان حضور المحوز عليه ورؤيته للحائز يحوز ماله ولا يعترض عليه طـوال مدة الحيازة بلا عذر شرعي وهذا يقتضي أن تكون حيازة الحائز علنية لا خفاء فيها ([13]).
للمالكية تفصيل دقيق في تكييف حضور المحوز عليه وذلك لأن الحائز قد يكون في حكم الغائب إذا لم يعلم بحيازة الحائز أو لم يعلم أن المال ماله 0 فهذا لا تكون الحيازة عاملة في حقه مهما طال الزمان 0 وقد يكون الغائب في حكم الحاضر ويكون في حالة الغيبة التي لا تؤثر على حيازة الحائز لماله فهذا يعد كالحاضر 0 فإذا سكت بعد قدومه ورؤيته للحائز يحوز ماله بلا عذر شرعي سقط حقه في الدعوى 0 وقد اختلف فقهاء المالكية في تحديد مدة الغياب التي يكون فيها الغائب في حكم الحاضر 0 لأنهم كانوا يقيسون المسافات بالأيام ويحددون القرب والبعد بما تستغرقه المسافة بسير الجمال المعتاد لأنها كانت الوسيلة المعتادة للسفر في عهدهم فمنهم من يرى القرب يومين ومنهم من يراه أربعـة أيام ومنهـم من يراه سبعـة أيام ولذلك اختلفت فتاواهم في القرب والبعد ([14]).
والأحناف أيضاً يشترطون لصحة وضع اليد أن يكون المدعي حاضراً يرى المدعى عليه يحوز ماله ولم يعترض بلا عذر شرعي حتى إنقضاء المدة المحددة لوضع اليد 0 ففي هذه الحالة لا تسمع دعوى المدعي 0 أما إن كان المدعي غائباً أو له عـذر شرعي يمنعه من المطالبة فدعـواه تسمع مهما طال أمـد وضع اليد (أنظر في ذلك الفتاوي المهدية في الوقائع المصرية للشيخ محمد العباس المهدي ج 4 ص 31 ).
الشرط السادس: أن تكون الحيازة واضحة لا لبس فيها:
يشترط القانون لصحـة الحيازة أن تكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض 0 وذلك بأن يكون الحائز حائزاً لحساب نفسه خاصة دون توههم في أنه ربما يكون حائز لحساب غيره 0 فإن كان يفهم من حيازته أنه ربما يحوز لحساب غيره فإن حيازته تكون غامضة وبالتالي تكون معيبة بعيب اللبس والغموض ولا تفيده حيازته مهما طال زمانها 0 تنص على ذلك المادة (635) وهي كما يلي : ( إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر من قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الـذي تزول فيه هذه العيوب ) ويمثل شراح القانون للحيازة الغامضة بحيازة الزوجة والوارث الذي يعيش مع مورثه في الدار وتستمر حيازته بعد وفاته دون بقية الورثة وكذلك حيازة الشركاء على الشيوع ونحو ذلك ([15])0
لم يتعرض قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م صراحة لحيازة القريب أو الوارث أو الشريك ونحوهم ولكن أتى بنص عام مفاده أنه لا يعتد باعمال الرخص والتسامح في الحيازة وهو نص المادة (631) إذ يقول : لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه الشخص على أنه من المباحات أو يتحمله الغير على سبيل التسامح "0
والتسامح قد يكون بين الأقارب والأجانب ولكن في الغالب يكون التسامح بين الأقارب أكثر منه بين الأجانب لما بين الأقارب من المخالطة والتوادد بسبب صلة القرابة مما يجعلهم يتسامحون مع بعض الورثة الذين يقيمون مع المورث في الدار فيبيحون لهم الاستمرار في السكن بعد وفاة مورثهم دون تنازلهم لهم عن ميراثهم فيه 0 ولذلك لا تفيد هذا الوارث حيازته مهما طال أمدها0
هذا وقد نص قانون التقادم المكسب للملكية والتقادم المسقط لسنة 1928م الملغي ([16]) المادة 4(3) على الآتي:
" إذا تبين من العلاقة بين الطرفين أو من أي سبب آخر خاص أن حائز الأرض يحوزها أو كان يحوزها نيابة عن آخر فتعتبر حيازته تلك نيابة عن ذلك الشخص الآخر " فهذه المادة صرحت بوجود علاقة بين الطرفين وهي علاقة قد تكون علاقة قرابة أو شراكه أو ميراث فنصها أصرح من نص المادة (631) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م0
هذا وقد تعرضت السوابق القضائية لحيازة القريب أو الوارث 0 واعتبرت حيازة الوارث قرينة غير مثمرة كسبب من أسباب كسب الملكية بالتقادم ولكنها قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها 0 أنظر في ذلك قرار النقض رقم م 0ع/ط ع/390/1975)0
وقد جاء بقرار المحكمة العليا م ع/ط م/1978 أن حيازة القريب المدة الطويلة مع حضور بقية الورثة ومشاهدتهم لحيازته دون اعتراض تعتبر دليلاً قاطعاً على أن هذا القريب يحوز لحساب نفسه خاصة بنية التملك ولا5فؤيحوز نيابة عن الورثة على سبيل التسامح منهم 0 وهذا يتفق مع رأي المالكية الذين يرون أن صلة القرابة لا تكون ما نعه من صحة الحيازة إلا إذا تقادم زمان الحيازة كالأربعين والخمسين والستين والسبعين عاماً ([17])0
الشرط السابع: استمرار الحيازة عشر سنوات دون انقطاع:
يشترط لصحة الحيازة أن تستمر عشر سنوات دون انقطاع في مواجهة المدعي الذي لم يطالب بحقه طيلة هذه المدة وليس له عذر شرعي في عدم المطالبة أو المخاصمة أما إذا انقطعت الحيازة في أثناء مدة العشر سنوات بأن تخلى الحائز عنها فترة من الزمن ثم عاد إليها أو خاصمه المدعي في هذه المدة قبل إنقضاء العشر سنوات ، فإن الحيازة لا تفيده إلا إذا استمرت حيازته الجديدة لمدة عشر سنوات أخرى بلا انقطاع 0 أما الانقطاع الذي يحدث بعد مضي العشر سنوات فلا يعتد به لأن الحق يكون قد ثبت للحائز في مدة العشر سنوات السابقة 0 وقد تعرضت لذلك السابقة القضائية ( الضو عبد الله أحمد //ضد// عبد الله محمد حمد م ع/78/1979م مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979م يقول السيد/ عبد الله الأمين قاضي المحكمة العليا في هذه السابقة ما يلي : ( أما إذا توفرت الحيازة القانونية لمدة عشر سنوات أو أكثر فإن حق الحائز في اكتساب ملكية الأرض يثبت ولا مكان للحديث بعد هذا عن انقطاع الحيازة )0
لم يفرق القانون بين العقار والمنقول ففي كليهما جعل مدة الحيازة عشر سنوات وقد خالف القانون في ذلك القانونيين المصري والأردني الذين فرقا بين العقار والمنقول فـي مدة الحيازة 0 فبالنسبة للمنقول إذا كان الحائز حسن النية وله سبب صحيح يكسب الملكية فـي الحال تطبيقاً لقاعـدة الحيازة في المنقول سنـد الملكية وفي العقار تكسب الملكية بعد مضي خمس سنوات (المادة/969) وفي القانون الأردنـي بعد مضي سبع سنوات [ المادة/1182(1) ] 0
وخالف القانـون أيضـاً الفقهين المالكي والأباضي الذين فرقا بين مـدة حيازة المنقول والعقـار فجعـلا مـدة حيازة العقار أطول من مـدة حيازة المنقول ([18])0
وأرى أنه لابد من التفرقة بين العقار والمنقول في حساب مدة الحيازة وذلك لأن طبيعة المنقول تجعل تداوله سريعاً بين الناس ، ولو جعلت حيازته طويلة لدخل الناس في المشقة والحرج وعدم استقرار التعامل بينهم وذلك لأن حائز المنقول لا يهتم عادة بالاحتفاظ بسند ملكيته لأن المنقول قابل للاستهلاك وللتداول وللتبدل من حال إلى حال بعكس العقار الذي بطبيعته قابل للثبات والاستقرار ويهتم الناس باقتنائه والاحتفاظ بسند ملكيته الدهر الطويل لذلك تناسبه الحيازة الطويلة0
ضم مدد الحيازة:
تنص المادة (639) على الآتي:
1- تنتقل الحيازة إلى الخلف العام بصفاتها على أنه إذا كان السلف سيئ النية وأثبت الخلف أنه في حيازته حسن النية جاز له أن يتمسك بحسن نيته0
2- تنتقل الحيازة لغير الخلف إذا اتفق الخلف والسلف على ذلك وكان في استطاعة من انتقلت إليه الحيازة أن يسيطر على الحق الواردة عليه الحيازة ولو لم يكن هنالك تسليم مادي للشيء المحمل بهذا الحق0
الخلف العام هو الوارث أو الموصى له بجزء من مجموع التركة كالربع أو الثلث ([19]) وعليه إذا كانت حيازة السلف أصلية تنتقل للخلف العام أصلية وإن كانت حيازة عرضية تنتقل إلى الخلف العام عرضيه وإن كانت معيبـة تنتقل للخلف العام بعيوبها 0 وعلى ذلك إذا ورث الخلف العام حيازة صحيحة من سلفه كان له ضمها لمدة حيازته لتكتمل مدة الحيازة القانونية ولكن إذا كان السلف سيئ النية في حيازته ويعلم الخلف أنه سيئ النية فلا يستفيد الخلف من حيازة سلفه في هـذه الحالة 0 أما إن كان الخلف حسن النية أي لا يعلم أن سلفه كان سيئ النية ، فله في هذه الحالة أن يثبت حسن نيته ويتمسك بها ويضم له مدة حيازة سلفه سيئ النية0
تقابل المادة (955) من القانون المصري 0
وتختص الفقـرة الثانية مـن المادة (639) بانتقال الحيازة لغير الخلف العام 0 أي أن الحيازة لا تنتقل للخلف الخاص إلا بالاتفاق بين الخلف والسلف على انتقالها إذا كان في استطاعته السيطرة على الحق موضع الحيازة حتى ولو لم يكن هنالك تسليم مادي للشيء المحاز0
وهذه الفقرة تقابل المادة (952) من القانون المدني المصري والمادة (1174) من القانون المدني الأردني ([20])0
هـذا وقـد قرر فقهاء المالكية والأباضية أن حيازة الوارث تضم إلى حيازة مورثه لتكتمل مدة الحيازة وإن حيازة غير الوارث كحيازة المشتري والموصي والواهب لا تضم لحيازة مـن انتقلت إليهم الحيازة عنهم بل كل من المشتري والموصى له والموهـوب له يستأنف حيازة جديـدة ولا يستفيـد من حيازة سلفه ([21]).
الشرط الثامن: سكوت المدعي عن المطالبة بحقه بلا عذر شرعي:
يشترط القانون لصحة الحيازة أن يسكت المدعي عن المطالبة بحقه طيلة مـدة الحيازة بدون عـذر شرعي يمنعه من المطالبة بحقه ومخاصمة الحائز (المادة 649(1) )0 ولم توضح هذه المادة الأعذار التي تحول بين المدعي والمطالبة بماله0 ولكن المادة (635) أوردت الأسباب التي تجعل الحيازة معيبة ونصها كما يلي : ( إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب )0
وعليه فالحيازة التي تتم بالإكراه أو تكون خفية أو فيها غموض أو لبس فإن المدعي يكون معذوراً في هذه الحالات ولا يمنع من سماع الدعوى ولا تفيد الحائز حيازته في هذه الحالات مهما طال زمنها تقابل المادة (949) من القانون المدني المصري والمادة (1172) من القانون المدني الأردني يشترط فقهاء المالكية والأباضية وكذلك الأحناف لصحة الحيازة أو وضع اليد أن يكون المحوز عليه ساكتاً لا يعترض على حيازة الحائز لماله لا يقول ولا يفعل حتى إنقضاء مدة الحيازة بلا عذر شرعي من خوف أو إكراه أو صغر أو جنون أو غيبة ونحو ذلك ويظل على هذا السكوت حتى تنتهي مدة الحيازة0 فإذا ظل على هـذا لحال حتى انتهت مـدة الحيازة فلا تسمـع دعـواه ويسقط حقـه في المطالبة ([22]) 0 وقد اختلف فقهـاء المالكية فـي هل يشترط دوام المنازعة أم تكفـي المنازعة ولو مرة واحدة فـي أثناء مدة الحيازة ؟ وهل يشترط أن تكون المنازعة أمام القاضي أم تكفي المنازعة ولو لم تكـن أمام القاضي ؟ ([23]) وقد بسطنا هـذا الخلاف في كتابنا حيازة العقار في الفقه الإسلامي صفحة 147 – 150 0 ورجحت القول الذي يرى أن المنازعة تكفي ولو مرة واحدة قبل إنقضاء مدة الحيازة ورجحت القول الذي يرى أن المخاصمة لا بد أن تكون أمام القضاء لأنها تثبت جدية المدعي في المطالبة بحقه0
أثر الحيازة في كسب الملكية:
اعتبر قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م الحيازة سبباً من أسباب كسب الملكية 0 فهو عندما عدد أسباب كسب الملكية في الباب التاسع عشر منه جعل من بينها الحيازة وخصص لها الفصل الثالث عشر ، وجعل عنوانه كسب الملكية بالحيازة 0 وجعل عنـوان المادة (649) التقادم المكسب للملكية 0 ولكن نص هذه المادة جعل الحيازة المكتملة الشروط تمنع المدعي من سماع الدعوى0 ولم ينص على أنها تكسب الحائز الملكية 0 فهل يقصد المشرع من منع سماع الدعوى انتقال الحيازة للحائز بالحيازة ؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من الرجوع لقانون التقادم المكسب للملكية والتقادم المسقط لسنة 1928م والذي كان ساري المفعول إلى أن ألغي بالمادة الثانية من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م 0 فقد نصت المادة الثالثة منه على الآتي : " يجوز لأي شخص بشرط ألا يكون منتفعاً أن يكسب ملكية الأرض إذا حازها حيازة هادئة ظاهرة مستمرة لمدة عشر سنوات على أنه في حالة إدعاء التملك في مواجهة الحكومة تكون مدة التقادم المكسب للملكية عشرون سنة كما نصت المادة (7) من نفس القانون على أن حق المدعي يسقط في المطالبة بالحقوق الأخرى بعد مدد معينة تختلف باختلاف الحق المطالب به كما نص على ذلك الجدول الملحق بهذا القانون 0 أما قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م فقد نص صراحة على أن الحيازة المكتملة الشروط مانعة من سماع الدعوى ولم ينص على أنها مكسبه للملكية رغم إيراده الحيازة كسب من أسباب كسب الملكية وعليه أرى أنه لا بد من النص على أن الحيازة إذا اكتملت شروطها تكسب الحائز الملكية ويضمن ذلك في نص المادة ولا يكتفي بذكره في العنوان لأن العنوان ليس جزءاً من نص المادة 0 تقابل المادة (1182) من القانون المدني الأردني والتي اعتبرت الحيازة مانعة من سماع الدعوى رغم أن مذكرتها التفسيرية اعتبرت الحيازة وتقادم الزمان مكسبه للملكية 0 أما القانون المصري فقد جاءت نصوصه صريحة في أن الحيازة المكتملة الشروط تكسب الحائز الملكية في التقادم الطويل ( المادة (968) ) دون قيد أو شرط وفي التقادم القصير تكسبه الملكية مع توفر حسن النية والسبب الصحيح0
لذلك نجد أن عدم النص على أن الحيازة عند اكتمال شروطها تكسب الحائز الملكية واعتبار السبب الصحيح هو نفس الأسباب التي تكسب بها الملكية ، من أحياء الموات والهبة والوصية والميراث والبيع ، تولد عنه اختلاف وتعارض في السوابق القضائية الصادرة من المحكمة العليا 0 ففي السابقة القضائية رقم م ع/ط م/198 شبة عبد الرحمن //ضد// عثمان محمد علي إبراهيم جاء بها ما يلي :
1- السبب الصحيح الوارد ذكره في المادة (649) معاملات مدنية المقصود منه التصرف القانوني الذي يصدر من غير المالك مثل البيع والهبة والوصية والميراث وذلك لحماية الحائز حسن النية 0 إذا استمرت حيازته بلا انقطاع لمدة 10 سنوات0
2- إذا انتقلت حيازة عين إلى شخص بالإرث أو الوصية ولم يكن المورث أو الوصي مالكاً للعين ، فإن الشخص الذي انتقلت إليه حيازة العين يعتبر حائزاً بسبب صحيح 0 ولكن جاءت السابقة القضائية رقم م ع/ط م/173/1969م بمبدأ معارض للمبدأ الذي أرسته سابقة شبة عبد الرحمن بعد أن تعرضت لها بالنقاش ورأت أن المحكمة العليا قد اجتهدت مع وجود نص صريح في المادة (649) الذي يشترط انتقال الملك واستبدلته بنص آخر يتحدث عن انتقال الحيازة ولا يجوز الاجتهاد مع وجود النص الصريح ، بالتالي توصلت لمبدأ مغاير لما أرسته سابقة شبة وهو أن انتقال الحيازة بالإرث من غير مالك لا يعتبر سبباً صحيحاً بموجب البند (3) من المادة (649)0
وتتالت السوابق القضائية المتعارضة في تعريف السبب الصحيح مما جعل السيد/ وزير العدل يتقدم بطلب للمحكمة الدستورية لتفسير نص المادة (649) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م لإزالة التعارض وذلك وفقاً لسلطتها بموجب المادة 13(1) (هـ) من قانون المحكمة الدستورية لسنة 1998م 0 قررت المحكمة الدستورية شطب العريضة بقرارها رقم م د/ع د/16/2000م بتاريخ 4/4/2001م بموجب نص المادة 16(أ) (ب) من قانون المحكمة الدستورية ورأت أن التعارض في أحكام المحكمة العليا تفصل فيه المحكمة العليا عن طريق المراجعة0
ومن ثم تقدم السيد/ وزير العدل بطلب لسعادة السيد/ رئيس القضاء لتفسير نص المادة 649(3) (ب) مـن قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م 0 وقد أحال السيد/ رئيس القضاء الطلب للمكتب الفنـي لإبداء الرأي 0 وبعد أن استعرض السيد/ رئيس المكتب الفني السوابق القضائية المتعارضة في المحكمة العليا ، رأى أن هنالك رأيين متعارضين يرى الأول أن انتقال الملك بالإرث أو الوصية يكون لمن حاز عقاراً لمدة عشر سنوات دون اشتراط أن يكون مورث الحائز أو الموصي مالكاً مسجلاً حتى يعتد بالانتقال 0 وأوصى بتشكيل دائرة للفصل في هذا الطلب وفقاً لنص المادتين 16 و313 من قانون الإجراءات لسنة 1983م وعلى ضوء ذلك شكل السيد/ رئيس القضاء لجنة من قضاة المحكمة العليا برئاسة مولانا/ علي الولي لتفسير نص المادة (649) لإزالة التعارض بين تلك الأحكام المتعارضة وللوصول لرأي محـدد لإزالة ذلك التعارض 0 وكنت أحد أعضاء تلك اللجنة 0 وباشرت اللجنـة جلساتها وقدمت بحوث من الأعضاء 0 واختلف أعضاء اللجنة اختلافاً كبيراً في تفسير معني السبب الصحيح الوارد في نص هذه المادة وقدمت بحثاً أوضحت فيه أنه لا يمكن صدور حكم صحيح مع اشتراط السبب الصحيح الوارد ذكره في المادة (649) لأن الحائز إن كان يملك سبباً صحيحاً صادراً له من المالك الحقيقي فلا حاجة في إثبات الحيازة والتقادم لأن الملك ينتقل إليه بهـذا السبب واقترحت تعديل نص المادة بالنص على أن السبب الصحيح هـو تصرف قانوني صادر للحائز من غير المالك 0 وقد انفضت اللجنة دون الاتفاق على رأي موحد0
أما فيما يتعلق بالنص على أن الحيازة إذا اكتملت شروطها تمنع من سماع الدعوى وعدم النص على أنها تكسب الحائز الملكية جعل بعض قضاة المحكمة العليا يبحثون عن مخرج يكسب الحائز الملكية بعد اكتمال شروط الحيازة لأنه من الناحية العملية والواقعية لا يمكن أن يُمنع المالكون من سماع الدعوى وتبقى الحيازة بيد الحائز دون أن تنتقل إليه الملكية . وعليه نجد السابقة القضائية رقم م ع /ط م/984/1992م أرست مبدأ مفاده أنه يجوز للحائز الذي يدعى اكتساب ملكية أرض بالتقادم رفع دعوى لتعديل السجل وفقاً لنص المادة (85) من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م 0 يقول مولانا زكي عبد الرحمن قاضي المحكمة العليا في هذه السابقة " لا يمكن الجزم بأن قانون المعاملات المدنية قد خلا من أي سند لمبدأ التقادم المكسب وأنه يقتصر على التقادم المسقط وحده لأن غاية ما يمكن أن يستقى من نص المادة (649) من القانون أنها بالفعل لا تنص صراحة على التقادم المكسب خلافاً لما أشار إليه عنوانها وإنما تنص على شروط الحيازة إن هي توفرت يمكن بها مناهضة حق المالك المسجل نفسه 0 ومؤدى ذلك أن النص يسعى لوصف حال دعوى المالك في مواجهة الحائز الذي استوفى الشروط المشار إليها دون أن يكون من أغراض النص تقرير حق الحائز أو حرمانه من إقامة دعوى لتأكيد ذلك الحق نهائياً بتعديل السجل بعد أن بلغ حقـه من القوة والمنعة ما أمكنه بهما من مواجهة المالك نفسه 000 ولعله مما لا ينبغي أن يكون محل خلاف أنه أياً كان قصد المشرع من صياغة نص المادة (649) على هذا النحو ، أن المادة تضع إطاراً للحق الموضوعي للحائز دون أن يمس حقه الإجرائي في ذلك ".
حماية الحيازة في القانون:
عني قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م بحماية الحيازة لسببين أولهما أن المشرع جعل الحيازة قرينة على الملكية أي يفترض في الحائز أنه مالك لما يحوزه حتى يثبت العكس ( المادة 641) كذلك فهي حماية لصاحب هذا الحق والسبب الثاني هو أنه في حماية الحيازة محافظة على الأمن والسكينة والاستقرار في المجتمع 0 وعلى الأفراد أن يستردوا أموالهم عن طريق القضاء لذلك نجد أن القانون الجنائي نص على حماية الحيازة في كثير من نصوصه وجرم المعتدي عليها 0 والذي يعنينا في هذا البحث حماية الحيازة من الناحية المدنية أي عندما لا يقصد المعتدي على الحيازة ارتكاب جريمة 0 وقد حمى قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م الحيازة بثلاث دعاوى هي:
1- دعوى استرداد الحيازة
2- دعوى منع التعرض
3- دعوى وقف الأعمال الجديدة0
1- دعوى استرداد الحيازة:
تنص المادة (641) على ما يلي:
(2) " لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها فإن كان فقـد الحيازة خفية بدأ سريان الحيازة من وقت انكشافه " 0 تقابل المادة 958(1) من القانون المصرى0
(3) " يجوز أيضاً لمن كان حائزاً لحساب غيره أن يطلب استرداد الحيازة ، تقابل المادة 958(2) من القانون المصري0
وتنص المادة (642) على ما يلي:
(1) " إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة ، وقد فقدها ، فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل 0 والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني 0 فإذا لم يكن لأي من الحائزين سنداً وتعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ "0 تقابل المادة 959(1) من القانون المصري0
(2) " إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدي "0
تقابل المادة 959(2) من القانون المدني المصري0
وتنص المادة (643) على ما يلي : ( للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية " 0 تقابل المادة (960) من القانون المدني المصري0
يتضح من هذه النصوص أن دعوى استرداد الحيازة يشترط لصحتها الشروط التالية:
1- أن يكون المدعي فيها هو الحائز سواء كان أصيلاً في حيازته أو كان حائزاً لحساب غيره0
2- أن يكون المدعى عليه هو الذي انتزع الحيازة ولو كان حسن النية أي يجهل أنه يعتدي على حق الغير0
3- أن ترفع الدعوى في خلال سنة واحدة تسري من وقت انتزاع الحيازة إذا تم انتزاع الحيازة بالقوة والغصب علانية وأن يكون الحائز عالماً بهذا الانتزاع 0 بمعنى أنه إذا مضت سنة من وقت الانتزاع وكانت الحيازة ظاهرة ومعلومة فلا يحق له رفع دعوى بعد إنقضاء هذه السنة – أما إذا انتزعت منه الحيازة خفية ودون علمه فإن السنة التي ترفع خلالها الدعوى تسري من وقت علمه بانتزاع الحيازة منه فإذا انقضت السنة بعد انكشاف انتزاع الحيازة ولم يرفع الدعوى خلالها فلا يحق له رفعها بعد ذلك0
ويختلف الحكـم فـي دعـوى استرداد الحيازة باختلاف مـدة الحيازة وكيفية انتزاعها وأفضلية سندها 00 فهنالك أربع حالات لرفـع دعوى استرداد الحيازة ([24])0
الحالة الأولى: إذا مضت سنة على حيازة المدعي ثم أغتصبت منه الحيازة فله استردادها من الغاصب ولو كان هذا القاصب حسن النية0
الحالة الثانية: إذا لم تمض سنة على حيازة المدعي وقت فقدها ففي هذه الحالة يحق له استرداد حيازته إذا لم يكن للمدعى عليه حيازة أحق بالتفصيل والحيازة الأحق بالتفصيل هي التي يكون لصاحبها سند قانوني 0 أما إذا تعادلت سنداتهما كانت الحيازة الأحق بالتفصيل هي الحيازة السابقة في التاريخ0
الحالة الثالثة: إذا لم تمض سنة على حيازة المدعي وكان المدعى عليه يستند إلى حيازة أحق بالتفصيل من حيازة المدعي ففي هذه الحالة يحق للمدعي استرداد الحيازة منه0
الحالة الرابعة: إذا فقد الحائز حيازته بالقوة ففي هذه الحالة يحق له أن يستردها خلال السنة التالية لفقدها في جميع الأحوال أي سواء كان للمدعى عليه حيازة أحق بالتفصيل أم لا0
2- دعوى منع التعرض:
تنص المادة (644) على الآتي:
" لحائز العقار إذا استمرت حيازته سنة كاملة ثم وقع له التعرض في حيازته أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض"0
يفهم من هذا النص أن دعوى منع التعرض يشترط فيها أن تستمر حيازة الحائز سنة كاملة ثم يقع له التعرض بعد ذلك 0 فإذا كانت مدة حيازته أقل من سنة فلا يحق له أن يرفع دعوى منع التعرض 0 وقد سكتت هذه المادة عن حماية الحائز لحساب غيره فـي دعوى منع التعرض وقـد رأينا أن الفقرة (2) من المادة (641) جوزت للحائز لحساب غيره أن يطلـب استرداد الحيازة في دعاوى استرداد الحيازة 0 ومن ذلك يفهـم أن دعوى منع التعرض لا ترفع إلا من الحائز الأصلي0
ومثال دعوى منع التعرض هي أن يُرعي المدعى عليه مواشيه في أرض المدعي (الحائز) الذي مضت على حيازته لهذه الأرض سنة كاملة أو يضع أخشاباً على تلك الأرض 0 فيرفع المدعي دعواه للقضاء لمنع المدعى عليه من التعرض لأرضه برعي مواشيه فيها أو وضع أخشابه فيها0
تقابل المادة (961) من القانون المدني المصري0
يقول الدكتور السنهوري في شرح هذه المادة ما يلي:
" هذا النص يعرض لدعوى التعرض وهي دعوى الحيازة الرئيسية ، إذ هي تحمي الحيازة ذاتها وهي الحيازة الأصلية دون العرضية ولذلك تتميز عن دعوى استرداد الحيازة 000 "([25])0
3- دعوى وقف الأعمال الجديدة:
تنص المادة (645) على الآتي:
(1) " لحائز العقار إذا استمرت حيازته سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جـراء أعمال جديدة تهـدد حيازته ، أن يرفع دعوى بوقف هذه الأعمال طالما أنها لم تتم ولم ينقض عام على البدء فيها0
(2) للمحكمة أن تحكم بعدم استمرار الأعمال أو أن تأذن في استمرارها ولها في الحالين أن تأمر بتقديم تأمين كاف يكون في حالة الحكم بوقف الأعمال الجديدة ضماناً لإصلاح الضرر الناجم عن هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس ، ويكون في حالة الحكـم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحاً للضـرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي لمصلحته0
يفهم من هذا النص أن دعوى وقف الأعمال الجديدة يشترط لرفعها أن تكون هنالك أعمال جديدة لم يكتمل إنشاؤها وأن هذه الأعمال من شأنها إذا اكتملت تهديد حيازة الحائز 0 كأن يشرع شخص في بناء عمارة مجاورة لجاره الذي يكون له منزل مبني بناءً عادياً ويخشى هذا الجار من أن هذه العمارة من شأنها إذا اكتملت سوف تمنع عنه الهواء لعلوها 0 فللجار في هذه الحالة أن يرفع دعوى للمحكمة لوقف أعمال البناء في العمارة قبل تمامها0 فإذا اكتمل بناؤها أو مر عام على البدء في إنشائها فلا يحق له في هذه الأحوال أن يرفع دعوى وقف هذه الأعمال أو إزالتها 0 فإذا اكتملت شروط رفع هذه الدعوى جاز للمحكمة أن تحكم بناء على البينات المقدمة لها بعدم استمرار الأعمال أو تأذن باستمرارها وفي كلا الحالتين لها أن تأمر المدعي والمدعى عليه بتقديم تأمين كافٍ يكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً للمدعى عليه إذا صدر حكم نهائي لصالحه بأن اعتراض المدعي لا يقوم على أساس ليدفع له في مقابل ما أصابه من ضرر ناجم عن هذا الإيقاف 0 ويكون هذا التأمين ضماناً للمدعي في مقابل إزالة الأعمال الجديدة إذا صدر حكم نهائي لصالحه0
تقابل المادة (962) من القانون المدني المصري0
الفقه الإسلامي يعتبر الحيازة دليلاً على الملك ويعتبر الحائز مالكاً لما يحوز ما دام غير مغتصب ولا معتد وما دامت حيازته مستندة إلى حق يعترف به الشارع للحائز كحيازة المالك والمنتفع وتعتبر حيازة محترمة وتجد الحماية من الشارع ولا يجوز لأحد أن يتعدى عليها أو يسلبها من صاحبها و إذا حصل عليها تعد يمنع المعتدي ويرد المال لحائزه 0 ولذلك نجد أن الفقه الإسلامي لم يجعل للحيازة دعاوى منفصلة عن دعاوى استحقاق الملكية كما فعل القانون السوداني والقانون المصري 0 بل ترك أمرها للمعتدى عليه ليرفع دعوى أمام القضاء لإثبات حقه أو ملكيته وتعدي المعتدى عليه0
النتائج والتوصيات:
أدرج قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م حيازة المال المملوك للغير مع تقادم الزمان ضمن أسباب كسب الملكية المنصوص عليها في الباب التاسع عشر منه . وخصص لذلك الفصل الثالث عشر منه وجعل عنوانه كسب الملكية بالحيازة وجعل عنوان المادة (649) منه التقادم المكسب ، ولكنه نص في منطوق المادة على أن الحيازة إذا اكتملت شروطها تكون مانعة من سماع الدعوى ولم ينص على أنها تكسب الحائز الملكية . ولذلك جاء التعارض بين نص هذه المادة وبين ما نص عليه القانون من جعل الحيازة سبباً من أسباب كسب الملكية. ولإزالة هذا التعارض نوصي بتعديل نص المادة (649) لتكون الحيازة بعد اكتمال شروطها مانعة من سماع الدعوى وتكسب الحائز الملكية ومستندنا في ذلك الرأي المعتبر في المذهبين المالكي والأباضي المدرج في مقدمة هذا البحث .
جعلت الفقرة (3) من المادة (649) السبب الصحيح ما يلي:
(أ ) الاستيلاء على الأرض الموات.
(ب) انتقال الملك بالإرث أو الوصية.
(ج) الهبة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض.
(د) البيع الرسمي أو العرفي.
يلاحظ أن هذه الأسباب هي أسباب ناقلة للملكية إذا آلت للحائز من مالكها الأصلي فلا حاجة له بعد ذلك لإثبات الحيازة . لذلك نوصي بتعديل هذا النص ليكون السبب الصحيح هو تصرف قانوني صادر للحائز من غير المالك كالبيع والهبة ليتلاءم مع الحكمة التي أوجبت العمل بالحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وقد اقتبس القانون معنى السبب الصحيح من القانون المصري في المادة (969) التي عرفت السبب الصحيح بأنه سند يصدر من شخص لا يكون مالكاً للشيء أو صاحباً للحق الذي يراد كسبه بالتقادم ويجب أن يكون مسجلاً طبقاً للقانون.
لم تفرق المادة (649) بين العقار والمنقول في مدة الحيازة وجعلتها عشر سنوات في كل منهما . لذلك نوصي بالتفرقة بينهما لأن طبيعة المنقول تجعل تداوله سريعاً بين الناس ولو جعلت مدته عشر سنوات لدخل الناس في حرج ومشقه لأن حائز المنقول لا يهتم عادة بالاحتفاظ بسند ملكيته بعكس العقار الذي بطبيعته قابل للثبات والاستقرار تناسبه المدة الطويلة ونرى أن تكون مدة حيازة المنقول خمس سنوات .
عليه أقترح أن يعدل نص المادة (649) ليكون كالآتي:
1- (أ ) من حاز بحسن نيـة وبسبب صحيح عقاراً أو حقاً عينيناً على عقار
باعتباره ملكاً له دون انقطاع لمدة عشر سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي . وتنتقل الملكية للحائز بعد اكتمال شروطها.
(ب) من حاز بحسن نية وبسبب صحيح منقولاً أو حقاً عينياً على منقول باعتباره ملكاً له لمدة خمس سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي وتنتقل الملكية للحائز بعد اكتمال شروطها.
2- يجب توافر حسن النية طوال مدة الحيازة.
3- لأغراض البند (1) يعني السبب الصحيح : تصرف قانوني كالبيع أو الهبة أو أي مستند قانوني صادر للحائز من غير المالك.
والله من وراء القصد وهو الهادي للسبيل القويم.
[1] لسان العرب ج 5 ص 339 - 342
[2] بدائع الصنائع ج 2 ص 319
[3] الشرح الصغير ج 5 ص 699
[4] بدائع الصنائع للكاساني ج 6 ص 267 .
[5] المدونة الكبرى الإمام مالك ج 13 ص 192 .
[6] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 234 – مواهب الجليل ج 6 ص 224-229 .
[7] شرح الجامع الصحيح مسند الربيع ج 3 ص 274- المدونة الكبرى لأبي غانم الخرصاني ج 2 ص 223
[8] شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد يوسف أطفيش ج 3 ص 85 0
[9] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 852 0
[10] تبصرة الحكام لابن فرحون ج4 ص 234 0
[11] حاشية ابن عابدين ج 5 ص 421 – 422 0
[12] شرح كتاب النيل ج 13 ص 514 0
[13] المدونة الكبرى للإمام مالك المجلد الخامس ج13 ص 192
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج13 ص 282
[14] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 207 – تبصرة الحكام لابن فرحون ج ص 83
[15] أنظر في ذلك الوسيط للسنهوري ج 9 ص 858 - 859
[16] الغي بموجب المادة 2(هـ) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م
[17] تبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 99 الشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي ج4 ص 208
[18] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 234
التاج والإكليل للمواق ج 6 ص 227
تبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 85
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 13 ص 503 0
[19] الوسيط للدكتور السنهوري ج9 ص 877
[20] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 876 - 877
[21] مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 224 –225
شرح كتاب النيل شفاء العليل ج 13 ص 283 - 284
[22] الشرح الصغير للدردير ج 4 ص 234 0 مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 222 0 حاشية العدوي على شرح الخرشي ج 7 ص 242 0
[23] البهجة في شرح التحفة للتسولي ج 2 ص 234
حاشية الرهوني ج 7 ص 510 – 511 0 شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج13 ص 516 0 حاشية ابن عابدين ج 5 ص 420 0
[24] أنظر في شرح دعوى استرداد الحيازة الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 913 – 914 - 916
[25] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 927 - 932