حماية الحيازة في القانون:
عني قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م بحماية الحيازة لسببين أولهما أن المشرع جعل الحيازة قرينة على الملكية أي يفترض في الحائز أنه مالك لما يحوزه حتى يثبت العكس ( المادة 641) كذلك فهي حماية لصاحب هذا الحق والسبب الثاني هو أنه في حماية الحيازة محافظة على الأمن والسكينة والاستقرار في المجتمع 0 وعلى الأفراد أن يستردوا أموالهم عن طريق القضاء لذلك نجد أن القانون الجنائي نص على حماية الحيازة في كثير من نصوصه وجرم المعتدي عليها 0 والذي يعنينا في هذا البحث حماية الحيازة من الناحية المدنية أي عندما لا يقصد المعتدي على الحيازة ارتكاب جريمة 0 وقد حمى قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م الحيازة بثلاث دعاوى هي:
1- دعوى استرداد الحيازة
2- دعوى منع التعرض
3- دعوى وقف الأعمال الجديدة0
1- دعوى استرداد الحيازة:
تنص المادة (641) على ما يلي:
(2) " لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها فإن كان فقـد الحيازة خفية بدأ سريان الحيازة من وقت انكشافه " 0 تقابل المادة 958(1) من القانون المصرى0
(3) " يجوز أيضاً لمن كان حائزاً لحساب غيره أن يطلب استرداد الحيازة ، تقابل المادة 958(2) من القانون المصري0
وتنص المادة (642) على ما يلي:
(1) " إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة ، وقد فقدها ، فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل 0 والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني 0 فإذا لم يكن لأي من الحائزين سنداً وتعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ "0 تقابل المادة 959(1) من القانون المصري0
(2) " إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدي "0
تقابل المادة 959(2) من القانون المدني المصري0
وتنص المادة (643) على ما يلي : ( للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية " 0 تقابل المادة (960) من القانون المدني المصري0
يتضح من هذه النصوص أن دعوى استرداد الحيازة يشترط لصحتها الشروط التالية:
1- أن يكون المدعي فيها هو الحائز سواء كان أصيلاً في حيازته أو كان حائزاً لحساب غيره0
2- أن يكون المدعى عليه هو الذي انتزع الحيازة ولو كان حسن النية أي يجهل أنه يعتدي على حق الغير0
3- أن ترفع الدعوى في خلال سنة واحدة تسري من وقت انتزاع الحيازة إذا تم انتزاع الحيازة بالقوة والغصب علانية وأن يكون الحائز عالماً بهذا الانتزاع 0 بمعنى أنه إذا مضت سنة من وقت الانتزاع وكانت الحيازة ظاهرة ومعلومة فلا يحق له رفع دعوى بعد إنقضاء هذه السنة – أما إذا انتزعت منه الحيازة خفية ودون علمه فإن السنة التي ترفع خلالها الدعوى تسري من وقت علمه بانتزاع الحيازة منه فإذا انقضت السنة بعد انكشاف انتزاع الحيازة ولم يرفع الدعوى خلالها فلا يحق له رفعها بعد ذلك0
ويختلف الحكـم فـي دعـوى استرداد الحيازة باختلاف مـدة الحيازة وكيفية انتزاعها وأفضلية سندها 00 فهنالك أربع حالات لرفـع دعوى استرداد الحيازة ([24])0
الحالة الأولى: إذا مضت سنة على حيازة المدعي ثم أغتصبت منه الحيازة فله استردادها من الغاصب ولو كان هذا القاصب حسن النية0
الحالة الثانية: إذا لم تمض سنة على حيازة المدعي وقت فقدها ففي هذه الحالة يحق له استرداد حيازته إذا لم يكن للمدعى عليه حيازة أحق بالتفصيل والحيازة الأحق بالتفصيل هي التي يكون لصاحبها سند قانوني 0 أما إذا تعادلت سنداتهما كانت الحيازة الأحق بالتفصيل هي الحيازة السابقة في التاريخ0
الحالة الثالثة: إذا لم تمض سنة على حيازة المدعي وكان المدعى عليه يستند إلى حيازة أحق بالتفصيل من حيازة المدعي ففي هذه الحالة يحق للمدعي استرداد الحيازة منه0
الحالة الرابعة: إذا فقد الحائز حيازته بالقوة ففي هذه الحالة يحق له أن يستردها خلال السنة التالية لفقدها في جميع الأحوال أي سواء كان للمدعى عليه حيازة أحق بالتفصيل أم لا0
2- دعوى منع التعرض:
تنص المادة (644) على الآتي:
" لحائز العقار إذا استمرت حيازته سنة كاملة ثم وقع له التعرض في حيازته أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض"0
يفهم من هذا النص أن دعوى منع التعرض يشترط فيها أن تستمر حيازة الحائز سنة كاملة ثم يقع له التعرض بعد ذلك 0 فإذا كانت مدة حيازته أقل من سنة فلا يحق له أن يرفع دعوى منع التعرض 0 وقد سكتت هذه المادة عن حماية الحائز لحساب غيره فـي دعوى منع التعرض وقـد رأينا أن الفقرة (2) من المادة (641) جوزت للحائز لحساب غيره أن يطلـب استرداد الحيازة في دعاوى استرداد الحيازة 0 ومن ذلك يفهـم أن دعوى منع التعرض لا ترفع إلا من الحائز الأصلي0
ومثال دعوى منع التعرض هي أن يُرعي المدعى عليه مواشيه في أرض المدعي (الحائز) الذي مضت على حيازته لهذه الأرض سنة كاملة أو يضع أخشاباً على تلك الأرض 0 فيرفع المدعي دعواه للقضاء لمنع المدعى عليه من التعرض لأرضه برعي مواشيه فيها أو وضع أخشابه فيها0
تقابل المادة (961) من القانون المدني المصري0
يقول الدكتور السنهوري في شرح هذه المادة ما يلي:
" هذا النص يعرض لدعوى التعرض وهي دعوى الحيازة الرئيسية ، إذ هي تحمي الحيازة ذاتها وهي الحيازة الأصلية دون العرضية ولذلك تتميز عن دعوى استرداد الحيازة 000 "([25])0
3- دعوى وقف الأعمال الجديدة:
تنص المادة (645) على الآتي:
(1) " لحائز العقار إذا استمرت حيازته سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جـراء أعمال جديدة تهـدد حيازته ، أن يرفع دعوى بوقف هذه الأعمال طالما أنها لم تتم ولم ينقض عام على البدء فيها0
(2) للمحكمة أن تحكم بعدم استمرار الأعمال أو أن تأذن في استمرارها ولها في الحالين أن تأمر بتقديم تأمين كاف يكون في حالة الحكم بوقف الأعمال الجديدة ضماناً لإصلاح الضرر الناجم عن هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس ، ويكون في حالة الحكـم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحاً للضـرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي لمصلحته0
يفهم من هذا النص أن دعوى وقف الأعمال الجديدة يشترط لرفعها أن تكون هنالك أعمال جديدة لم يكتمل إنشاؤها وأن هذه الأعمال من شأنها إذا اكتملت تهديد حيازة الحائز 0 كأن يشرع شخص في بناء عمارة مجاورة لجاره الذي يكون له منزل مبني بناءً عادياً ويخشى هذا الجار من أن هذه العمارة من شأنها إذا اكتملت سوف تمنع عنه الهواء لعلوها 0 فللجار في هذه الحالة أن يرفع دعوى للمحكمة لوقف أعمال البناء في العمارة قبل تمامها0 فإذا اكتمل بناؤها أو مر عام على البدء في إنشائها فلا يحق له في هذه الأحوال أن يرفع دعوى وقف هذه الأعمال أو إزالتها 0 فإذا اكتملت شروط رفع هذه الدعوى جاز للمحكمة أن تحكم بناء على البينات المقدمة لها بعدم استمرار الأعمال أو تأذن باستمرارها وفي كلا الحالتين لها أن تأمر المدعي والمدعى عليه بتقديم تأمين كافٍ يكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً للمدعى عليه إذا صدر حكم نهائي لصالحه بأن اعتراض المدعي لا يقوم على أساس ليدفع له في مقابل ما أصابه من ضرر ناجم عن هذا الإيقاف 0 ويكون هذا التأمين ضماناً للمدعي في مقابل إزالة الأعمال الجديدة إذا صدر حكم نهائي لصالحه0
تقابل المادة (962) من القانون المدني المصري0
الفقه الإسلامي يعتبر الحيازة دليلاً على الملك ويعتبر الحائز مالكاً لما يحوز ما دام غير مغتصب ولا معتد وما دامت حيازته مستندة إلى حق يعترف به الشارع للحائز كحيازة المالك والمنتفع وتعتبر حيازة محترمة وتجد الحماية من الشارع ولا يجوز لأحد أن يتعدى عليها أو يسلبها من صاحبها و إذا حصل عليها تعد يمنع المعتدي ويرد المال لحائزه 0 ولذلك نجد أن الفقه الإسلامي لم يجعل للحيازة دعاوى منفصلة عن دعاوى استحقاق الملكية كما فعل القانون السوداني والقانون المصري 0 بل ترك أمرها للمعتدى عليه ليرفع دعوى أمام القضاء لإثبات حقه أو ملكيته وتعدي المعتدى عليه0
النتائج والتوصيات:
أدرج قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م حيازة المال المملوك للغير مع تقادم الزمان ضمن أسباب كسب الملكية المنصوص عليها في الباب التاسع عشر منه . وخصص لذلك الفصل الثالث عشر منه وجعل عنوانه كسب الملكية بالحيازة وجعل عنوان المادة (649) منه التقادم المكسب ، ولكنه نص في منطوق المادة على أن الحيازة إذا اكتملت شروطها تكون مانعة من سماع الدعوى ولم ينص على أنها تكسب الحائز الملكية . ولذلك جاء التعارض بين نص هذه المادة وبين ما نص عليه القانون من جعل الحيازة سبباً من أسباب كسب الملكية. ولإزالة هذا التعارض نوصي بتعديل نص المادة (649) لتكون الحيازة بعد اكتمال شروطها مانعة من سماع الدعوى وتكسب الحائز الملكية ومستندنا في ذلك الرأي المعتبر في المذهبين المالكي والأباضي المدرج في مقدمة هذا البحث .
جعلت الفقرة (3) من المادة (649) السبب الصحيح ما يلي:
(أ ) الاستيلاء على الأرض الموات.
(ب) انتقال الملك بالإرث أو الوصية.
(ج) الهبة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض.
(د) البيع الرسمي أو العرفي.
يلاحظ أن هذه الأسباب هي أسباب ناقلة للملكية إذا آلت للحائز من مالكها الأصلي فلا حاجة له بعد ذلك لإثبات الحيازة . لذلك نوصي بتعديل هذا النص ليكون السبب الصحيح هو تصرف قانوني صادر للحائز من غير المالك كالبيع والهبة ليتلاءم مع الحكمة التي أوجبت العمل بالحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وقد اقتبس القانون معنى السبب الصحيح من القانون المصري في المادة (969) التي عرفت السبب الصحيح بأنه سند يصدر من شخص لا يكون مالكاً للشيء أو صاحباً للحق الذي يراد كسبه بالتقادم ويجب أن يكون مسجلاً طبقاً للقانون.
لم تفرق المادة (649) بين العقار والمنقول في مدة الحيازة وجعلتها عشر سنوات في كل منهما . لذلك نوصي بالتفرقة بينهما لأن طبيعة المنقول تجعل تداوله سريعاً بين الناس ولو جعلت مدته عشر سنوات لدخل الناس في حرج ومشقه لأن حائز المنقول لا يهتم عادة بالاحتفاظ بسند ملكيته بعكس العقار الذي بطبيعته قابل للثبات والاستقرار تناسبه المدة الطويلة ونرى أن تكون مدة حيازة المنقول خمس سنوات .
عليه أقترح أن يعدل نص المادة (649) ليكون كالآتي:
1- (أ ) من حاز بحسن نيـة وبسبب صحيح عقاراً أو حقاً عينيناً على عقار
باعتباره ملكاً له دون انقطاع لمدة عشر سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي . وتنتقل الملكية للحائز بعد اكتمال شروطها.
(ب) من حاز بحسن نية وبسبب صحيح منقولاً أو حقاً عينياً على منقول باعتباره ملكاً له لمدة خمس سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي وتنتقل الملكية للحائز بعد اكتمال شروطها.
2- يجب توافر حسن النية طوال مدة الحيازة.
3- لأغراض البند (1) يعني السبب الصحيح : تصرف قانوني كالبيع أو الهبة أو أي مستند قانوني صادر للحائز من غير المالك.
والله من وراء القصد وهو الهادي للسبيل القويم.
[1] لسان العرب ج 5 ص 339 - 342
[2] بدائع الصنائع ج 2 ص 319
[3] الشرح الصغير ج 5 ص 699
[4] بدائع الصنائع للكاساني ج 6 ص 267 .
[5] المدونة الكبرى الإمام مالك ج 13 ص 192 .
[6] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 234 – مواهب الجليل ج 6 ص 224-229 .
[7] شرح الجامع الصحيح مسند الربيع ج 3 ص 274- المدونة الكبرى لأبي غانم الخرصاني ج 2 ص 223
[8] شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد يوسف أطفيش ج 3 ص 85 0
[9] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 852 0
[10] تبصرة الحكام لابن فرحون ج4 ص 234 0
[11] حاشية ابن عابدين ج 5 ص 421 – 422 0
[12] شرح كتاب النيل ج 13 ص 514 0
[13] المدونة الكبرى للإمام مالك المجلد الخامس ج13 ص 192
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج13 ص 282
[14] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 207 – تبصرة الحكام لابن فرحون ج ص 83
[15] أنظر في ذلك الوسيط للسنهوري ج 9 ص 858 - 859
[16] الغي بموجب المادة 2(هـ) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م
[17] تبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 99 الشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي ج4 ص 208
[18] الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 234
التاج والإكليل للمواق ج 6 ص 227
تبصرة الحكام لابن فرحون ج 2 ص 85
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 13 ص 503 0
[19] الوسيط للدكتور السنهوري ج9 ص 877
[20] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 876 - 877
[21] مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 224 –225
شرح كتاب النيل شفاء العليل ج 13 ص 283 - 284
[22] الشرح الصغير للدردير ج 4 ص 234 0 مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 222 0 حاشية العدوي على شرح الخرشي ج 7 ص 242 0
[23] البهجة في شرح التحفة للتسولي ج 2 ص 234
حاشية الرهوني ج 7 ص 510 – 511 0 شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج13 ص 516 0 حاشية ابن عابدين ج 5 ص 420 0
[24] أنظر في شرح دعوى استرداد الحيازة الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 913 – 914 - 916
[25] الوسيط للدكتور السنهوري ج 9 ص 927 - 932