وإذا فقدت البضاعة أو تلفت فإن أمين النقل يلتزم بقيمتها ولكن الخلاف بين الشراح والمحاكم في فرنسا على حالة السلع المسعرة تسعيرًا جبريًا فهل تحتسب على أساس التسعير الرسمي وقت الشحن أم وقت وصول البضاعة، أما في حالة التلف فيلتزم بالفرق بين قيمة البضاعة سليمة وقيمتها تالفة أما في حالة التأخير فيلتزم بتعويض الضرر الذي ترتب عليه. [(10)]
ما قلناه خاص بنقل البضائع والأشياء على أن الأمر يختلف بعض الشيء بالنسبة لنقل الأشخاص فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق فهل يكون أساس الرجوع على الناقل المسؤولية التعاقدية أم المسؤولية التقصيرية وعلى أساس إثبات خطأ معين ارتكبه الناقل أم على أساس المسؤولية الشيئية، على أن الأمر من ناحية أخرى يقتضي التفرقة بين النقل بأجر، وهو الصورة الغالبة والعادية وبين النقل المجاني.
ففي حالة النقل بأجر لا ريب في أنه يربط المسافر بالناقل عقد نقل هو الذي يحكم الرابطة القانونية بينهما على أنه يتعين معرفة التزامات الناقل فيه وهل التزامه في هذه الحالة التزامًا بغاية فيلتزم بتمكين المسافر من الوصول سليمًا إلى الجهة المتفق عليها أم هو التزام بوسيلة فيلتزم بأن يضع تحت تصرفه وسيلة النقل إلى غايته [(11)]، كان القضاء الفرنسي في بادئ الأمر يذهب إلى الرأي الثاني على أساس أنه لا محل لمقارنة المسافر بالبضائع لأن له حركة ذاتية وإرادة خاصة ذلك لأنه في حالة تلف البضائع أو ضياعها يفترض إهمال أمين النقل في المحافظة عليها لأن له سيطرة تامة عليها أثناء نقلها أما الإنسان فهو كائن له إرادة خاصة وقد يغافل أمين النقل ويتسبب في إلحاق الأذى بنفسه عن إهمال وتقصير، على أن هذا القضاء، وعلى رأسه محكمة النقض، لم يستطع أن يثبت على هذا الرأي لكثرة الحوادث ولأن الأخذ به يترتب عليه أن يتحتم على المسافر أو ورثته أن يثبتوا خطأ معينًا ارتكبه أمين النقل وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً في بعض الأحوال لذلك لم يرَ بدًا من القول بأن أمين النقل يلتزم بموجب العقد بنقل الشخص سليمًا ومعافى إلى الجهة المقصودة فإذا أصيب أثناء النقل كانت مسؤوليته تعاقدية فيفترض قانونًا أنه قد ارتكب تقصيرًا ولا يستطيع أن يدفعه إلا بإثبات نفي علاقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المصاب وفعل الغير، وهذه المسؤولية تؤدي إلى نفس النتيجة التي يمكن الوصول إليها عن طريق الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة (1384) فقرة (1) مدني فرنسي).
هذا ويثار في هذا الصدد مسألة اجتماعية المسؤوليتين والخيرة بينهما فقد يكون العمل الواحد إخلالاً بالتزام تعاقدي يحقق المسؤولية التعاقدية وهو في الوقت ذاته عمل ضار يحقق المسؤولية التقصيرية وهنا تجتمع المسؤوليتان فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق، وأخذ بالرأي القائل بالتزام الناقل بسلامته، كانت من جهة إخلالاً بهذا الالتزام التعاقدي فتحقق المسؤولية التعاقدية وكانت من جهة أخرى عملاً ضارًا في ذاته فتجتمع إلى جانب المسؤولية التعاقدية المسؤولية التقصيرية في مثل هذا الغرض لا يجوز إطلاقًا الجمع بينهما وإنما يكون الرجوع على أساس إحداهما فقط، ولكن عن أيتهما ؟ أيترك للمصاب الخيرة بين المسؤوليتين فيختار أكثرهما ملاءمة له ؟ أو أن المسؤولية التقصيرية لا تقوم إذا كان هناك عقد بين الطرفين يحدد مدى المسؤولية فتبقى المسؤولية التعاقدية وحدها، ولا يكون هنالك مجالاً للخيرة ؟ اختلف الرأي في فرنسا فالبعض يأخذ بالرأي الأول والبعض الآخر يأخذ بالرأي الثاني وإن كان الراجح هو الرأي الأول ؟ [(12)]
أما في مصر فتذهب بعض المحاكم إلى بناء المسؤولية على أساس المسؤولية التعاقدية والبعض الآخر على أساس المسؤولية التقصيرية، هذا وقد حكمت محكمة مصر الابتدائية في 13 مارس سنة 1951 بأنه بمجرد قيام المسافر بدفع الأجر المفروض لمتعهد النقل فإنه يبرم بينهما عقد يلتزم فيه الناقل بتأمين سلامة المسافر ووصوله سالمًا إلى المكان الذي يقصده وهذا الالتزام يستخلصه القاضي تفسيرًا لإرادتي المتعاقدين المشتركة إذ أن المسافر ينتظر الوصول سالمًا إلى المكان الذي يقصده ولو أن الناقل لم يتعهد بذلك ولو ضمنًا لما أقدم المسافر على التعاقد كما ذكرت أن هذه المسؤولية لا يدفعها إلا إثبات القوة القاهرة أو خطأ المصاب (المحاماة س 31 العدد الثامن - رقم (393) صـ 1386). [(13)]
ويختلف الأمر في حالة النقل المجاني [(14)] ذلك لأنه لا يمكن القول بقيام عقد نقل في هذه الحالة ذلك لأن من عناصر هذا العقد الجوهرية وضع أجر معين لأمين النقل ولذلك ذهب البعض إلى القول بوجود عقد غير مسمى أقرب لعقود الوكالة والعارية منه لعقد النقل بجامع نية التبرع في هذه العقود ولقد كانت هذه الفكرة موضع النقد في فرنسا ذلك لأن فكرة التعاقد لم تدر بخلد الطرفين إطلاقًا ولذلك فإن القضاء الفرنسي رفض الأخذ بالمسؤولية التعاقدية في هذه الحالة وكان أمامه أما الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة 1384/ 1)، وتشبيه حالة المسافر الذي يصاب أثناء الطريق بحالة المارة التي تصدمها العربات والمركبات فيكون الحارس القانوني مسؤول عن هذه الحوادث مسؤولية يفترض معها قيام الخطأ وهو فرض غير قابل لإثبات عكسه ويكون المصاب مكلفًا في هذه الحالة بإثبات ركن الضرر، وأما أن تبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات التقصير في جانب أمين النقل المادتان (1382)، (1383).
ولكن القضاء والفقه في فرنسا رفض أن يطبق حكم المادة (1384) فقرة أولى (المسؤولية الشيئية) على حالة النقل المجاني لما في تطبيق حكم هذه المادة على الشخص الذي يتطوع بتأدية خدمة مجانية لآخر من مصادمة للعدالة ولحسن التقدير، ولهذا فلقد ذهب البعض إلى القول بأن الراكب بغير عوض يتحمل في الواقع تبعة الأخطار المنظورة والعادية التي تنجم عن ركوبه ولكن أخذ على هذا الرأي صعوبة تحديد فكرة قبول التبعة من ناحية والأفكار المنظورة والعادية من ناحية أخرى كما أنه يحمل إرادة الطرفين فكرة لم تدر بخلدهما وقت قيام الرابطة القانونية ولو أن الراكب أدرك مبلغ الخطر الذي يعرض نفسه إليه وما في ركوبه المجاني من إسقاط لحقه قبل الناقل لما أقدم على الركوب أو لفضل الركوب بأجر، كما أنه من ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق المزعوم بفرض وجوده غير صحيح ذلك لأن القضاء قد استقر على عدم جواز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية، ولذلك فإن الرأي الراجح في فرنسا يبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات تقصير أمين النقل المادتين (1382)، (1383).
أما في مصر فلقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 13 نوفمبر سنة 1930 بلتان 43/ 22 بأن من يقبل الركوب في سيارة تفضلاً من صاحبها فلا يجوز له المطالبة بالتعويض عن الحوادث والأضرار التي تصيبه من جراء ركوبه إلا إذا نشأت عن تقصير جسيم من قائد السيارة وبهذا المعنى أيضًا حكم محكمة مصر المختلطة في 23 مايو سنة 1949 (بأن الراكب يعتبر قابلاً لبقية الأخطار المتوقعة risques possibles).
على أن النقد الذي وجه إلى هذين الحكمين يرتكز على أنه لا يجوز الاستناد على فكرة قبول الراكب لتبعة الركوب في سبيل تخفيف مسؤولية الناقل ذلك لأن الاستناد لهذه الفكرة في القانون الفرنسي قصد به فقط استبعاد المادة (1384) على حالة النقل المجاني ونظرية المسؤولية الشيئية لم يكن مأخوذًا بها في مصر حتى صدور القانون المدني الجديد كما أنه لا مبرر لاشتراط التقصير الجسيم لشغل مسؤولية الناقل في حالة النقل بغير عوض وأنه يمكن أن يسأل حتى عن خطئه اليسير ويمكن الاستناد لفكرة الخدمة لتخفيف التعويض. [(15(]